Site icon IMLebanon

الحريري – ميقاتي… و”المساكنة بالإكراه”

قد يكون في حركة رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة للدفاع عن موقع رئاسة الحكومة ما يبرّرها، إلا أنها تستحضر إلى البال العلاقة بين الرئيس الحالي سعد الحريري والرئيس السابق نجيب ميقاتي.علاقة اتسمت بالمهادنة حيناً والخصومة حيناً آخر، لكنها بقيت غالباً “مساكنة بالإكراه”. فكيف إذا دخلت السعودية طرفاً جدّياً فيها، في ظلّ زيارة مرتقبة لميقاتي إليها لتأدية مناسك الحج الشهر المقبل والتي قد تكون مناسبة للقاءات مع مسؤولين سعوديين يتقدمهم ولي العهد محمد بن سلمان. قد تتغيّر طبيعة هذه العلاقة الهادئة، خصوصاً أن الطرفين يعملان على تعزيز موقعيهما. رئيس الحكومة لا يرى منافساً جدياً له إلا ميقاتي، والأخير لا يزال يحلم بالعودة إلى الرئاسة الثالثة.

يجهد ميقاتي في تعزيز حضوره في مدينته طرابلس، محاطاً بدعم سعودي عبّرت عنه سابقاً الزيارة التي خصّه بها وفد مجلس الشورى السعودي إلى دارته في ميناء طرابلس، والتي أدرجها البعض في سياق نية المملكة كسر الأحادية في المشهد السني بعدما نجح ميقاتي فعلاً في سحب البساط من تحت قدمي الحريري مستفيداً من تراجع الحضور السياسي والشعبي لتيار “المستقبل” في الشمال.

بين الرئيسين منافسة على أشدّها، تستكين وتشتعل، مهما حاول الطرفان إنكارها أو الالتفاف عليها، فالعارفون ببواطن الأمور يعلمون جيداً أن الحريري بالكاد تحمل فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة، فكيف بالذي وُعد أن يعود رئيساً للحكومة بعد الانتخابات النيابية العام 2005 شرط عدم ترشحه للانتخابات. خسر حينها ميقاتي الرهان كما وعد الحكومة والنيابة، واستعيض عنه بالسنيورة الذي انتهج خطاً جعله موازياً للحريري ومنافساً له، لا بل مفضَّلاً عند صقور “الرابع عشر من آذار” كرجل مواجهة لـ”حزب الله” وحلفائه. لكن سرعان ما استرد ميقاتي موقع رئاسة الحكومة، بعد إسقاط حكومة سعد الحريري العام 2011، بينما كان مجتمعاً مع الرئيس الاميركي باراك أوباما. وهذا ما جعل ميقاتي عرضة لهجمات متتالية من “تيار المستقبل”، علماً أنه بذل المستحيل كي يراعي الحساسيات السنية وبشكل مبالغ فيه أحياناً، وسلّف “المستقبل” ما لم يكن يحلم به رئيسه.

مذ حصلت التسوية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة، عرف ميقاتي أن حظوظه في رئاسة الحكومة معدومة طيلة ولاية هذا العهد. سلّم بالأمر الواقع، من دون أن يقلّل ذلك من عمله على تعزيز رصيده السياسي. في المقابل أيضاً، سلّم الحريري بواقع أن ميقاتي هو الخصم السياسي الحقيقي له. حقيقة ردّدها في مجلس خاص “ميقاتي الخصم الحقيقي والمعركة معه، أما البقية فصوت عال وليس أكثر”. يدرك الطرفان واقع الأمور، ويتصرفان وكأنهما في شراكة أرغما عليها. بالنسبة إلى رئيس الحكومة السابق، هو يرى أن معارضته تفيد خصوم الحريري ولن تزيد من أرباحه. وفق حساباته، “حزب الله” مثلاً يتمنى وقوع الخصام بينه وبين الحريري لكي يضغط عليه ويحصل منه على المزيد من المكاسب في السياسة. أما هو فلن يربح شيئاً في هذه الحال لأن “حزب الله” سيكون حكماً إلى جانب رئيس الحكومة وليس إلى جانبه. ما الذي سيجنيه إذاً من خصومته؟ القراءة نفسها تطاول كل الفرقاء السياسيين الذين يسعون إلى التوافق مع رئيس الحكومة فلماذا يخاصمه هو؟

لا يتعاطى ميقاتي في السياسة بعدائية، ولم يقطع علاقته بأي طرف، لكن المؤكد انه لن يقبل ان يتعاطى معه الحريري كعضو في كتلته، ويحرص على التمايز وفق معادلة تقول “ميقاتي يقابله سعد الحريري في علاقة ندية”. نتائج الانتخابات الأخيرة حرّرته من “تربيح جميلة” المستقبل. خاضها من دون منّة من أحد، وكي لا يقال إن نتائجه حصدها بفضل أصوات الآخرين. بعد الانتخابات وتسمية الحريري رئيسا للحكومة اتفق الجانبان على فتح صفحة جديدة شجع عليها وجود مظلة عربية داعمة للتفاهم السني. بدأت العلاقة الجديدة تحت سقف وضع السياسة جانباً، ومراعاة مصالح الناس، أي فصل الإنماء عن السياسة. لكن هذا الفصل لم يتبلور الى امر واقع، بدليل عدم وجود ترجمة عملية له في طرابلس. وورقة المطالب الإنمائية التي تقدم بها ميقاتي” نالت وعوداً ولا شيء نفّذ على الأرض”.

إلا أن مسار العلاقة بين الميقاتي الرئيس، والرئيس الحريري الابن تظهر جدليتها من خلال تعاطي السعودية مع الطرفين. فالحريري الوارث للأب والآتي مع ثورة الأرز، هو غيره الحريري اليوم. الأول حظي بدعم مطلق أو كاد، أما الثاني فدعمه فيه اعادة للنظر. وهنا يبرز حضور ميقاتي او غيابه.

يحاول “تيار المستقبل” التسويق لعلاقة متوترة بين المملكة وميقاتي، إلا أنه “لن ينجح لأن العلاقة التي شهدت بعض الفتور مع تشكيل حكومة ميقاتي سابقا عادت عادية، وفي المرحلة الحالية فتحت صفحة من التفاهم التام”، تقول أوساط ميقاتي، وهذا ما أكدته زيارته برفقة رؤساء الحكومات السابقين، والتي يمكن أن تستكمل من خلال زيارة تأدية ميقاتي لمناسك الحج الشهر المقبل.

أجواء “المستقبل”

يراقب “المستقبل” هذه الحركة، ولا يتردّد أهل بيت الحريري في توجيه اللوم إليه “لأنه فضل ميقاتي على صقور المستقبل المقربين منه”. يعدّدون “أول صفعة للحريري تلقاها من ميقاتي الذي كان نائباً في كتلته حين اسقطت حكومة الحريري خلال اجتماعه مع اوباما، ومنذ ذلك الحين بدأ الاهتراء التنظيمي والسياسي لـ”المستقبل”. تكرّ سبحة اللوم “أعطاه وزيراً في الحكومة ورفض اعطاء 6 نواب سنة وزيراً. انصاع معه، وزعّل السنيورة وأبعد صقور المدافعين عنه وتصالح مع الشخص الوحيد الذي كاد يغتاله سياسياً. أين الحكمة وهل كان الائتلاف النيابي للحريري ينقصه نواب ميقاتي”. في اعتقاد المنتقدين ان الحريري لم يحقق اي مكسب من ميقاتي بل على العكس إن تحالفه معه يقوي الأخير، فهل هي استراتيجية المتعثرين سياسياً؟

مختصر القول إننا أمام رئيس سابق للحكومة يمنّي نفسه بالعودة الى الرئاسة الثالثة بأقرب فرصة، ورئيس حالي لن يسمح لأحد أن يهزّ موقعه.