Site icon IMLebanon

الحريري أضاع «الفرصة» مع عون فهل يُكرّر «الخطيئة» مع نصرالله؟

مع تقدم الملف الامني على ما عداه في البلاد، لا تبدو «المراوحة» السياسية قابلة للتبدل في المدى المنظور بسبب غياب «الرؤية» الواضحة لدى تيار المستقبل في كيفية مقاربة الملفات والاستحقاقات الاساسية مع «خصومه» ومع حلفائه. فهل يستمر تيار المستقبل في ارتكاب الاخطاء والخطايا؟ وهل تدفع البلاد ثمن الخلافات الداخلية المتصل بحالة الارباك الاقليمية؟ اسئلة تطرح نفسها بإلحاح، كما تقول اوساط قوى 8 آذار، فقيادة «التيار الازرق» فتحت لها نافذة «تاريخية» لعقد مصالحة وطنية كبرى مع المسيحيين عندما اقترب الرئيس سعد الحريري جدا من التفاهم مع الجنرال ميشال عون على ملف رئاسة الجمهورية، لكنه ضيع تلك الفرصة، فخسر جمهورا عريضا كان يمكن التعويل عليه للخروج من «القوقعة» التي لم ينجح في تعويضها في التحالف مع مسيحيي 14 آذار، فهؤلاء بعد ان شعروا انهم لا يؤثرون في القرارات المصيرية في هذا التحالف، وبعد ان تبين ان السلطة التقريرية في مكان آخر، وهم دائما يتجرعون الخيبات المزمنة، اهتزت ثقتهم بقياداتهم وبنوايا التيار «الازرق»، وفي المحصلة خسر الحريري الشارع «العوني» ولم يكسب ثقة «البيئة» القواتية. واليوم فيما تستمر حالة النزف في بيئته الحاضنة لصالح المتطرفين، يقف تيار المستقبل على اعتاب خسارة فرصة جديدة لمد جسور التواصل مع حزب الله ومن خلفهم الشيعة.

وبحسب تلك الاوساط، فان المعضلة الرئيسية تكمن في عدم القدرة على فهم ما يريده الرئيس الحريري، فهو حتى اليوم يتعامل مع مبادرة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «العاشورائية» بإرباك شديد، فلا مؤشرات على القبول او الرفض، ولا اشارات، اقله علنيا، يمكن من خلالها فهم حقيقة ما يريده تيار المستقبل في هذه المرحلة، هل يريد تطوير العلاقات؟ ام يريد الحفاظ فقط على ما تحقق حتى الان في حكومة المصلحة الوطنية؟ وهل ما يريده الحريري فقط التمسك باستراتيجية «ربط النزاع»؟

هذه الاسئلة «الحائرة» تعيد تلك الاوساط الى كيفية تعامل الحريري من الاستحقاق الرئاسي، فهو يكرر اليوم اخطاء ارتكبها في السابق، ويمارس سياسة غير قابلة للفهم ولم يملك احد القدرة على شرح تناقضاتها، رغم ان الخلاصة المتفق عليها انها ليست في صالح تياره. فمنذ اليوم الاول لوضع هذا الاستحقاق على الطاولة، بدا كل طرف يفسر إشارات الحريري، على هواه، فالعونيون فهموا يومها انه موافق على انتخاب جنرالهم رئيساً. والقوات اللبنانية والكتائب كانتا على ثقة انه لن يرتكب هذا «الفول» بحق فريقه السياسي، وطال الانتظار وكل طرف ظن ان الحريري لا يناور في ما يبلغه الى من يراجعه من «المعنيين»، سواء كانوا حلفاء أم «الاصدقاء».

والجميع ظنوا انه يملك رؤية واضحة لموقعه في المعادلة اللبنانية، على حدّ قول الاوساط في 8 اذار، وفي ظل التوتر مع الشيعة فثمة من ظن انه يتجه الى تعزيز علاقاته مع المسيحيين واستقطاب جمهور التيار الوطني الحر مع «جنرالهم»، وبدا الحريري للوهلة الاولى صادق في إرادة إنهاء النزاع مع جنرال الرابية ومع قواعده، على اعتبار ان الخصومة لم تنتج الا سلبيات استفاد منها عمليا «خصمه» السياسي الاول المتمثل بحزب الله. فجأة تبخرت كل هذه الانطباعات، وبدت اقرب الى توهمات خيالية، بعد ان ابلغ الحريري من راجعه ان حواره مع عون لا يعني انه ذاهب الى انتخاب «الجنرال» رئيساً للجمهورية، وبعد ان ظن الجميع ان رئيس تيار المستقبل بموقفه هذا يساير الحلفاء، ولن يخوض معركة ضد وصول الجنرال الى بعبدا، اتضح انه تبنى خيارات خصوم عون المسيحيين، وتهرب من وعوده السابقة، اعاد هذا الملف الى «حضن» رئيس القوات اللبنانية سميرجعجع الذي يلعب دور «رأس الحربة» في منع «الجنرال» من الوصول الى بعبدا، وبدأ الحريري يتحدث عن «استراتيجية» غريبة تقوم على «قاعدة» اقامة علاقة منتجة مع عون، على غرار المعادلة الحكومية الحالية، دون تبنيه كمرشح رئاسي. ماذا يعني ذلك؟ يعني «صفر» على «الشمال» لان الجميع يدرك ان علاقة جيدة مع عون لا يمكن الا ان تمر عبر «قصر بعبدا»، ودون ذلك فان اي كلام سيكون دون جدوى، لكن الحريري خسر تلك الفرصة رغم انها تصب في صالحه، لماذا؟

تجيب الاوساط في 8 آذار، لانه وفقا لرؤيته التي سبق وتحدث فيها مع الدائرة المقربة منه ان «الفراغ» يعني خدمة مجانية لحزب الله، ففي العام 1989، أنتج الفراغ انقساما في لبنان، والانقسام أنتج حروبا، والحروب التي تواصلت بعد الطائف، أضعفت المسيحيين وأفادت الحزب الذي استفرد بالسلاح. وفي العام 2007، حل الفراغ في القصر الجمهوري، فكان 7 أيار 2008 وكان اتفاق الدوحة، وكانت رئاسة، ولكن بعدما عزز حزب الله تفوقه وفرض شروطه. ورغم قناعة «زعيم» المستقبل بهذه المعادلة ماذا فعل؟ ساهم في هذا اطالة امد هذا الفراغ، ولم يحقق اي مكسب سياسي، بل كانت الخسائر اكبر من ان تحصى، وهو اليوم يكرر الاخطاء نفسها «ويتخبط» في ادارة ملف التفاوض مع حزب الله.

وبحسب تلك الاوساط، فان الثابت حتى الان ان ثمة انقسام داخل التيار الازرق في مقاربة التعامل مع مبادرة السيد نصرالله، ففيما يضغط وزير الداخلية نهاد المشنوق لفتح نافذة حوارية، اقله فتح «الابواب» امام «الكلام» مع وضع سقوف واضحة من قبل تيار المستقبل لما هو مقبول وما هو غير قابل للنقاش، وهو يتبنى «مدرسة» واقعية في التعامل مع تلك المبادرة انطلاقا من تجربته في سياسة «الابواب المفتوحة» مع الحزب على مستوى التنسيق الامني، وهو اليوم من اكثر المطالبين ببلورة الموقف وشرح موجبات الرفض والقبول، وعدم ترك الموقف رماديا، لان هذا الامر ليس في صالح التيار الازرق.

في المقابل تضيف الاوساط، ثمة رأي يمثله وزير العدل اشرف ريفي ويؤيده رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة، لا يرى في ما قدمه السيد نصرالله مبادرة حوارية جدية وانما دعوة للجلوس على الطاولة وتوقيع شروط استسلام، فملف مكافحة الارهاب لن يقبل حزب الله المساومة عليه وهو متمسك بدوره الراهن باعتباره مكملا لدور الجيش، اما قتاله في سوريا فهو خارج اي نقاش، اما الانتخابات الرئاسية فحرص السيد نصرالله على التأكيد انه لا يمر الا بالرابية، اذا على ماذا الحوار؟ وما الداعي لاعطاء الحزب فرصة «لتلميع» صورته؟ واذا كان الحزب لم يذهب مباشرة الى اجراء الاتصالات اللازمة بعد مبادرة الرئيس الحريري، وتعامل معها بلا مبالاة «وراء الكواليس»، فلماذا الاندفاع وراء كلام السيد نصرالله والبناء على مبادرته؟

هذا النقاش المستمر في اوساط حزب المستقبل اخر بطبيعة الحال «الجواب» على مبادرة السيد نصرالله، وحتى الان «الارباك» هو سيد الموقف، تؤكد الاوساط في 8 آذار ولم ترتق العلاقات بين الجانبين الى مستوى جديد، ولم يتلق الحزب اي اجابات مباشرة او غير مباشرة، بانتظار ان يحسم الرئيس سعد الحريري خياراته المرتبطة حكما بالقرار السعودي الذي لم يتبلور بعد، واي كلام آخر لا يتصل بالواقع بأي صلة لان رئيس «التيار الازرق» لم يقدم اصلا ما يرقى الى مصاف المبادرة واحتاج الى توضيحات من الوزير المشنوق كانت بمثابة كلام جديد وليس كلاما تفسيريا لكلام الحريري.

وامام هذه المعطيات، ستبقى الازمة السياسية في البلاد على حالها، وتيار المستقبل يستمر في رهانه على الوقت لتحسين شروط «التفاوض»، لكن المخاطر هذه المرة مرتفعة للغاية واضاعة فرصة جديدة اليوم قد تكون اثمانها كبيرة على حدّ قول الاوساط، خصوصا ان التطورات الاقليمية وانعكاساتها على لبنان لا تحتمل خيبات أمل جديدة سببها «قصر نظر» واستسلام تام الى خيارات الدول «الراعية» التي لها حساباتها الخاصة التي لم تأخذ يوما بعين الاعتبار مصالح «المستقبل»؟ فهل يعيد التاريخ نفسه؟ الارجح ذلك، الا اذا حسم الحريري خياراته.