لم يسبق لـ «تيار المستقبل» أن عاش حالة ارتباك سياسي كالتي يعيشها اليوم على وقع الحراك المستجد للرئيس سعد الحريري، والذي قد ينجم عنه تبني ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
هذا الواقع يجعل «المستقبل» أسير التباينات، بين أقلية متحمّسة لخيار الحريري الجديد، وبين أكثرية تتوجس من النتائج والتداعيات على المستوى الشعبي في حال كان القرار النهائي لمصلحة عون. وبين هؤلاء أصوات تدعو الى «النأي بالنفس» واعتماد الورقة البيضاء في أية انتخابات رئاسية، وأصوات أخرى تنادي بعدم التخلّي عن ترشيح النائب سليمان فرنجية.
هذه التباينات فرضت نفسها في الاجتماع الأخير لـ «الكتلة الزرقاء» والذي شهد بحسب مشاركين «عصفاً فكرياً» بين النواب تمحور حول حراك الحريري الذي أكد أنه رمى حجراً في المياه الرئاسية الراكدة بعد ثمانية أشهر من الجمود، وأنه يدرس كل الخيارات المطروحة وسيستكمل مشاوراته داخليا وخارجيا من دون أن يتّخذ أي قرار قبل رجوعه مجددا الى «الكتلة» والمكتب السياسي لـ «التيّار».
لم تنتهِ النقاشات مع انتهاء الاجتماع. ثمة فريق في «المستقبل» لا يخفي حماسته لانعطافة الحريري باتجاه عون. يقول هؤلاء إن هذا الخيار «سيؤدي إلى إحراج «حزب الله»، وسيكشف ما يضمره في موضوع الرئاسة، وما إذا كان جديا في ترشيح عون أم أنه كان يناور، وعندها سنشهد اصطفافات سياسية جديدة».
هذه الحماسة، يواجهها «مستقبليون» معترضون بسلسلة من الهواجس والمخاوف، ويعتبرون أن انتخاب عون سينهي الحريري شعبياً في الشارع السني الذي لن يتقبل خيارا من هذا النوع، خصوصا أن خطاب عون كان ولا يزال يشكل استفزازا كبيرا له.
ويتساءل هؤلاء: «لماذا على الحريري أن يضحي بما تبقى له من شعبية من أجل ملء الفراغ الرئاسي، ولا يُقدم أي تيار سياسي آخر على ربع خطوة الى الوراء؟ ولماذا يوضع «تيار المستقبل» أمام أحد خياريّ التنازل أو الاتهام بالتعطيل؟».
ويرى المعترضون أن «انتخاب عون يعني استسلاما كاملا لـ «حزب الله». وبذلك يكون الحريري قد أعطى «الحزب» صك براءة، وشرعية لكل ما قام به سابقا، وما سيقوم به لاحقا، خصوصا أن البيان الوزاري سيصب في مصلحة «معسكره السياسي» الذي قد يتجاوز بند تشريع المقاومة الى المطالبة بتشريع سلاح «حزب الله» ومشاركته في الحرب السورية». برأي المعترضين أنفسهم، إنّ «رئاسة الحكومة لن تقدم أو تؤخّر بالنسبة للحريري، وهي لن تعطيه أي انتصار، ولن تساعده على استرداد شعبيته، بل على العكس، فإن خسائره ستكون مضاعفة».
يخلص المعترضون في «تيار المستقبل» الى ضرورة أن يقلع الحريري عن فكرة انتخاب عون للرئاسة، وأن يبقى متمسكا بسليمان فرنجية، أو أن يبادر الى ترشيح شخصية جديدة من خارج الاصطفافات، أو اعتماد ورقة بيضاء، وتركيز كل الجهود على مصالحة الشارع السني والعودة إليه، واستمالته بالموقف السياسي، بدل أن تكون الخسائر مضاعفة، مع استمرار الأزمة المالية».
ويؤكد نائب «مستقبلي» أن الحريري لا يمكن أن يتخذ قرارا يتعلق بالرئاسة في لبنان من دون موافقة السعودية أو التفاهم معها على الأقل، نافيا كل ما يشاع عن أن انعطافة الحريري باتجاه عون، تأتي في سياق العلاقة المتوترة مع السعودية، لافتا الانتباه الى أنه إذا كانت السعودية قررت التخلي عن الحريري، أو أنها في الوقت الحالي لا تضع لبنان على قائمة أولوياتها، فإن ذلك لا يلغي حقيقة ثابتة، وهي أن السعودية تشكل العمق الاستراتيجي للسنة في لبنان.