هل زجّ الرئيس المكلّف سعد الحريري نفسه في ورطة مجانية عندما التزم علناً قبل أيام بتأليف الحكومة خلال 10 أيام، خصوصاً أنّ الرمال اللبنانية المتحرّكة قادرة على ابتلاع أي مهلة؟ أم أنّه كان يُدرك جيداً ماذا يفعل وبالتالي فهو لم ينطلق من فراغ حين تطوّع لتحديد توقيت الولادة الحكومية على الملأ؟
تتعدّد التفسيرات لمغامرة الحريري في اللعب مع عقارب الساعة التي قد «تلدغه» أو «تنصفه»، تبعاً لما ستنتهي اليه مهلة الايام العشرة الآخذة في التقلّص شيئاً فشيئاً، من دون ان تظهر حتى الآن دلائل واضحة الى قُرب تشكيل الحكومة.
وليس الحريري فقط هو الذي بات تحت الضغط، إذ انّ رئيس الجمهورية ميشال عون يكاد يكون أحد أكبر المتضررين من استمرار تمدّد «جرثومة» الوقت الضائع في جسم عهده، والرئيس نبيه بري يستعجل التأليف أيضاً حتى يدير محرّكات المجلس النيابي بطاقتها القصوى، لأنّ لا انتظام للرقابة والتشريع من دون وجود حكومة أصيلة، ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، المسكون بهاجس الوضع الاقتصادي الصعب، يتهيّب المماطلة المتمادية في إنجاز التأليف الى حدّ أنّه قرّر طوعاً إجراء «حسومات» على شروطه الوزارية وحلحلة العقدة الدرزية.
وعلى الرغم من انّ الحاجة الى تأليف الحكومة صارت ملحّة لاعتبارات كثيرة، غير أنّ مراسيمها لا تزال عالقة في عنق زجاجة الخلاف المُستفحل بين «التيّار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية» حول حجم الحصّة الوزارية لكل منهما ونوعيتها. ويبدو انّ الحريري ممتعض من محاولة تدفيعه ثمن هذا النزاع المسيحي، وأخذه رهينة سياسية له، وهو كان مستاءً من مضمون المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده الوزير جبران باسيل، لشعوره بأن باسيل حاول أن ينسف فرصة الايام العشرة عبر إعادة جرّ النقاش الى المربّع الاول والسعي الى فرض «معايير برتقالية» للتوزير، كأنه شريك للرئيس المكلّف في تأليف الحكومة وليس مجرد مفاوض باسم «التيّار».
وعُلم أنّ اتصالاً هاتفياً جرى بين باسيل والوزير غطاس خوري الذي استفسر من رئيس «التيّار» عن أسباب التصعيد في مؤتمره الصحافي، فأوضح له انّ كلامه أتى رداً على موقف مسبق ومتشنّج كان قد صدر عن الدائرة الاعلامية في «القوات».
وما رفع منسوب الاستياء لدى الحريري، على ما يؤكّد العارفون، إحساسه بأن هناك من يصرّ على التعاطي «بخفة ودلع» مع الملف الحكومي، متجاهلاً أو جاهلاً دقة الواقع الاقتصادي وحساسيته، مع ما يتطلبه ذلك من شجاعة في تقديم تنازلات متبادلة، قبل أن يُستفحل الخطر على الوضع الاقتصادي والاستقرار النقدي.
وفيما شعر بعض الذين تواصلوا مع الحريري خلال الساعات الماضية بأنّه لامس حدود «القرف» إزاء طريقة التعامل مع «جرعة الايجابيات» التي ضخّها خلال مقابلته التلفزيونية، عُلم انّه سينتظر عودة عون من زيارته الى ارمينيا حتى يقدّم له تشكيلة حكومية متجدّدة، بعدما يكون قد استكمل دورة إضافية من المشاورات، على ان تخلو تلك الصيغة من الاسماء، مع تضمينها بعض التعديلات في حصتي «الحزب التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية»، قياساً الى التشكيلة السابقة.
ويشير قريبون من الحريري الى أنّ العقدة الدرزية عولجت، أو تكاد، بعد الايجابيات المتدرجة التي أبداها جنبلاط، وبالتالي فهي لم تعد تشكل عقبة حقيقية أمام ولادة الحكومة، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة منح «الحزب التقدمي الاشتراكي» حقيبة وازنة تعوّض عن قبول جنبلاط بالشراكة في تسمية الوزير الدرزي الثالث، لافتين الى انّ المشكلة التي لا تزال ترخي بثقلها على الرئيس المكلّف تتعلق بحقائب «الخلاف المسيحي». ويعتبر هؤلاء انّ مساحة التجاذب الحاد تشمل حقائب قليلة عملياً، بعدما باتت وجهة معظم الحقائب الاساسية محسومة، ومنها الصحة والدفاع والخارجية والاتصالات والداخلية والطاقة والمالية، فيما يستمر شدّ الحبال بنحو أساسي حول حقائب وزارات الأشغال العامة والنقل والتربية والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية.
ويميل القريبون من الحريري الى الاعتقاد أنّ حصّة «القوات» سترسو في نهاية المطاف على 4 وزراء، من بينهم نائب رئيس الحكومة بلا حقيبة، فيما تحاول معراب «تحسين نسل» الحقائب الـ3 قدر الامكان.
ويفترض المحيطون بالحريري انّ الانفراج الحكومي في العراق سينعكس عاجلاً أم آجلاً حلحلة حكومية في لبنان، على قاعدة ترابط الساحات وتوازنها.