يُطفىء الرئيس سعد الحريري في الرابع عشر من آذار الجاري شمعة زعامته الحادية عشرة، وهو ظهر بعد اطلالته الاعلامية الأخيرة مع الزميل مارسيل غانم بصورة مختلفة، لقد بدا متحررا تماما من كل شيء، مرسلا رسائل للقاصي والداني مفادها:«أنا الزعيم، ليس بالاكراه انما بارادة شعبية كبيرة وضعتني على كرسيي هذا».
.. أراد الرئيس الحريري الواثق من خطواته المزنرة بالتفاف شعبي، أن يقول للمقربين:«تواضعوا ولا تخطئوا في الحساب ولا تحاولوا أن تفتحوا على حسابكم، فالأمر لن يكون في مصلحتكم والدعم الداخلي والعربي والدولي سيبقى الى جانبي، اذ أن الرهان على دعسة ناقصة مني ليست في محلها.. أنا عدت وسأبقى وسأستفتي نفسي من الآن فصاعدا وسأتخذ قراراتي كما جرت العادة في الظروف الصعبة عائدا الى كتابين كتاب أبي رفيق الحريري ودستور الطائف الذي دونه والدي بماء من الذهب».
أما للأبعدين وعلى رأسهم «حزب الله»، فيقول الحريري:«ليس لكم مكانا في ربوعنا العربية الا تحت رايتنا ولتخيطوا بغير مسلة، فلا تراهنوا على المشاريع الصفوية لأنها ستخسر عاجلا أم آجلا، والتاريخ يثبت أن الغرباء سيمسون في الماضي الغابر مهما طال الزمن».
ولقد ذهب أبعد من ذلك الزعيم الوطني الجامع والسني الأوحد، حين دعا أمين عام الحزب حسن نصرالله الى العودة للبنان وبنائه بعيدا من املاءات الخارج وذلك لمصلحة الجميع.
ولعل العبارات التي استخدمها، تدلل على أنه بات مبادرا من الطراز الأول بعيدا من أي شعبوية تنزلق الى لغة الدم، فهو لا يريد أن يلطخ يداه بالدماء مهما كلف الأمر، لكنه في المقابل لن يترك الساحة لخصومه وسيدافع عن مشروعه ان تعرض للاعتداء بكل ما أوتي من قوة و«لديه من الرجال والمفكرين ما يكفي للمجابهة».
وما بين الأقربين والأبعدين، يحاول الرئيس الحريري الجمع لمصلحة الوطن والاثبات بأنه حاجة للجميع، فبيده الحلول السحرية لكل شيء وليس ملف النفايات سوى شاهد حسي، اذ أرغم الطبقة السياسية على وضع حد لهذه المهزلة بعد اخفاقها لأكثر من ثمانية أشهر وهو خارج البلاد.
وانطلاقا من لغة الجمع التي ينتهجها الرئيس الحريري مستقبلا أكثر من طرف، فهو يرحب بالرئيس نجيب ميقاتي أيضا في بيت الوسط وليس في أي بيت آخر، متجاوزا الغدر السالف وألاعيب المواجهة في ساحة التل وغيرها، واثقا من أن أهالي طرابلس لن يتركوا ابن رفيق الحريري لقمة سائغة للساعين الى منافسته في زاروب هنا وحي هنالك، ولن يقفوا حجر عثرة في وجه مشاريعه الانمائية كي لا تُستعاد النغمة المقيتة التي كانت تعزف في وجه الرئيس الشهيد رفيق الحريري مع كل مشروع يريد أن ينفذه وليس مشروع أليسار الا نموذج بسيط.
.. باختصار، لقد أراد الرئيس الحريري أن يقول:«من يسير معي لبناء الدولة سيفوز ومن لا يريد فليتحمل لعنة الشعب».