ذكرى 14 شباط هذا العام لا تشبه نفسها ابداً عن الاعوام التي سبقها، فتيار المستقبل و14 آذار هما ايضاً لا يشبهان بعضهما ايضاً، أمور كثيرة تغيرت في حياة هذا الفريق السياسي الذي يواجه الموت السريري بعدما انتقل رئيس المستقبل الى الضفة الاخرى وبات شريكاً لميشال عون في الحكم، وحدها صور الشهيد رفيق الحريري التي انتشرت في العاصمة بدون مضمون سياسي تذكر الآذاريين باحوالهم الماضية و بالمناسبة المشؤومة، «رفيق لآخر الطريق» المضمون وجداني لحملة اراد المستقبل القول من خلالها ان رفيق الحريري لا يزال في شوارع مدينته، يزين تلك الشوارع ويواكب مرحلة انتقال المستقبل والتحول السياسي الذي حصل قبل اثنتي عشر سنة فقط بدون كلام سياسي.
فالمستقبل لم يعد ذاته منذ انجز سعد الحريري تلك التسوية التي حتمت عودته الى السراي، رئيس الحكومة بات شريكاً في الحكم لا يطلق الرصاص ولا يدعو الجمهور الآذاري الى الثورة، بدون شك الحريري مرتاح الى التموضع الجديد بعدما خسر الكثير من رصيده الشعبي في سنوات الغياب ولولا «أزمة قانون الانتخاب»، والقلق الذي ينتاب المستقبل من قانون قد يخسره ما كسبه في السياسة في بضعة مقاعد نيابية لكان أمكن القول ان رئيس الحكومة في افضل ايامه. بدون شك فان كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق «حول العقل الإلغائي في لبنان» لم يبعث على الاطمئنان واوحى بان أزمة صامتة تدور بين بعبدا والسراي في الوقت الذي رشح ان القانون الانتخابي سيولد قريباً.
في مجالسهم الخاصة يشكو المسيحيون المبعدون عن دوائر القرار في 14 آذار من خارج دائرة الحريري او جعجع من ظلم وعدم عدالة حلفائهم، القناعة لديهم ان شركاءهم في المستقبل وفي الحزب التقدمي الاشتراكي ساروا في التسوية وقبل ذلك عملوا على تحجيمهم وكانوا يحاولون عشية اي استحقاق إظهارهم في موقع المستعطي الذي يشحذ المقاعد من الشريك الواهب، فكانت نيابة جورج عدوان ودوري شمعون موضع مساومة تطول وتستمر ولا تحسم إلا بعد شق النفس وفي الساعات القليلة عشية الانتخابات، كما ان حزب الكتائب عانى الكثير قبل ان ينتزع المقعد الماروني في طرابلس للنائب سامر سعاده، كما ان نيابة فادي الهبر كانت تفرض بالقوة على الحليف الاشتراكي اما اليوم وفي المفاوضات الحاصلة في شأن القانون الانتخابي فان تيار المستقبل بدل ان يفاوض عن كل 14 آذار السابقة فانه يفاوض عن نفسه لما يشكله التلويح بالمختلط او النسبية من مخاطر على حياته السياسية فيما يفاوض التيار الوطني الحر عن القوات.
ولأن ما يحصل على الساحة السياسية اليوم «انتخابي مئة بالمئة» يسترجع آذاريون سابقون ما كان يحدث في الاستحقاقات الانتخابية، فالمعاناة كانت واضحة في علاقتهم مع الشريك، لطالما تم سؤال تيار المستقبل لماذا لا يقدم تيار المستقبل يسبق فيه الجميع ويواجه به المشاريع الأخرى، وما الضير لو تبنى الشريك في تيار المستقبل إستعادة الحقوق المسيحية كما فعل شركاء المسيحيين في قوى 8 آذار، فإصرار تيار المستقبل على إختيار المسيحيين في مناطقهم كان يضعف الحجة والمنطق لدى الأحزاب المسيحية، فيما كانت معاملة حزب الله لشركائه مختلفة، فحزب الله كان يترك الخيارات الواسعة والكاملة للعماد ميشال عون في تأليف لوائحه إن في جزين او في المتن الجنوبي رغم انه يمتلك الكتلة الناخبة الوازنة في هاتين الدائرتين، كما ان حزب الله لم يتدخل مطلقاً مع العماد عون عندما أقفل لوائحه في الأشرفية، وزحلة وفي سائر الأقضية الشمالية، إضافة الى ان الحماسة الشيعية بلغت مداها في قضاء جبيل رغم انها تركت المقعد الشيعي لكتلة الاصلاح والتغيير، وهكذا خاض العونيون إنتخاباتهم السابقة بدعم لا محدود من شريكهم الشيعي، فيما مسيحيو 14 آذار ألصقت بهم صفات كالتبعية والشحاذة النيابية لأن الشريك «لم يلعب معهم كما هو مطلوب».
اما اليوم وفي حين لم يخرج الجنرال ميشال عون الذي اصبح رئيساً للجمهورية من حلفائه السابقين ويساهم في ضربهم وفي اقصائهم، فان سعد الحريري عزل نفسه عن فريق 14 آذار بعدما وجه ضربة قاضية واقصائية له، فالحريري يقاتل وحيداً من اجل حجمه الذي صار على المحك في اي صيغة انتخابية فيما التيار الوطني الحر لم يزعزع علاقته بحليفه في الضاحية وهو يفاوض ويريد اعطاء حصص نيابية وازنة للقوات على غرار ما فعل في الحكومة للقوات.
بدون شك فان رئيس الحكومة يدور في حلقة «أزمة القانون» او الدوامة نفسها لكنه يؤاثر السقوط او ان يصل الى الخلاف مع رئيس الجمهورية بعدما قطع كل المسافات والحواجز في العلاقة معه، تقصد سعد الحريري ارسال رسائل صوتية عبر صندوق بريد وزير الداخلية لرئيس الجمهورية في موضوع القانون، اللافت من الرسالة انها تزامنت مع زيارة وزير الدولة السعودي السهبان الى لبنان، لكن المؤكد ان رئيس الجمهورية وصلته الرسالة لكن لا تراجع عن اجراء الانتخابات في مواعيدها وباي قانون غير الستين واللجوء الى الاستفتاء مطروح بقوة على طاولة القصر واجتماعات اللجنة الرباعية.
لا يرغب رئيس الحكومة بان تصل الامور الى حد الخلاف مع رئيس الجمهورية، القناعة الحريرية بان الانتخابات وفق اي قانون ستكون معقدة على المستقبل بسبب تخبطه وازماته السابقة وتراكم الازمات عليه المالية والسياسية وتمرد اركانه وقياداته وخساراته البلدية، لكن الحريري يتطلع الى الكسب السريع اليوم وباقل الخسائر الممكنة فهو الى حكومة العهد الثانية التي ستكون الحكومة الفعلية بعد «بروفا» الحكومة الاولى.