IMLebanon

الحريري يفاوض «حزب الله» سرّاً حول الرئاسة

لا شك في أنّ أطراف النزاعات التي تمزّق الشرق الأوسط تحاول استباق الوقت وتحسين أوراقها قبل دخول الجميع مرحلة فرض الحلول مع وصول إدارة أميركية جديدة وتسلّمها مهماتها.

صحيح أنّ العنف يتصاعد والتأزم يسود المواقف السياسية، لكنّ الصحيح ايضاً أنّ التعب بدأ يظهر على الجميع، حتى إنّ موسكو نفسها جهدت خلال الايام التي تلت إسقاط طائرة الهليكوبتر وقتل فيها طاقمها المؤلف من خمسة ضباط وجنود، لتسويق تبريرات مختلفة أمام المجتمع الروسي، ما يعني أنها لا تستطيع الاستمرار طويلاً في الحرب.

وبات واضحاً أنّ الخطوط العريضة لخريطة طريق التسويات قد وُضِعَت ونالت موافقة الأطراف الأساسيين، وحيث لعبت موسكو دوراً محورياً في هذا الإطار، خصوصاً أنّ روسيا ستلتزم الإشراف على الجوانب التطبيقية بالتفاهم مع واشنطن. تسوية كبرى من المفترَض أن تبدأ من سوريا على أن تشمل في أحد جوانبها الملف اللبناني الحساس، ومن ثمّ ملف التسوية العربية ـ الإسرائيلية.

وكان لافتاً تصريح مستشار مرشد الثورة الإيرانية بأنّ احتمالات التسوية في سوريا أصبحت مرتفعة الآن. طبعاً هذا الموقف جاء عقب النجاح في تطويق الأحياء الشرقية في حلب، ما يعني ترابط هذا مع ذاك، وأنّ فك الحصار قد يعدّل الصورة، لكنّ الصورة العامة مرسومة والأطراف المتقاتلة تعبت.

الواضح أنّ زيارات رئيس الحكومة الإسرائيلية الأربع هذه السنة إلى موسكو أعطت انطباعاً واضحاً بوجود مشروع كبير جاري التفاهم حوله، كما أنّ استعادة الطائرات الروسية لدورها الفعال في معارك حلب بعد طول إحجام وتردّد، ما كان ليحصل لولا حصول تفاهمات سياسية كانت تطلبها موسكو في الكواليس.

وعلى رغم ذلك، وجّه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو رسالة سلبية في عزّ الحشرة الإنتخابية الأميركية. فبعدما أعلن في أيار الماضي أنّ مشروع الدولتين «قابل للحياة والتطبيق»، وأنه «الحلّ الوحيد المتاح» راهناً، وهو ما فُهم منه أنه التزامٌ علني بمشاريع التسويات المطروحة في الكواليس والتي بحثت في خلال زياراته الأربع لموسكو، أعلن نتتنياهو في الأمس تعيين داني ديان قنصلاً عاماً في واشنطن، وديان هو زعيم التيار المتطرّف في إسرائيل ورئيس المجلس الاستيطاني في الضفة الغربية وهو المعروف بدعمه اللامحدود لسياسة الاستيطان الإسرائيلية، وهذا ما يتناقض عملياً مع حلّ الدولتين.

وديان الذي كان قد رفضته البرازيل سفيراً بسبب سياسته المتطرّفة بات الآن، وبحكم موقعه الجديد كقنصل عام لبلاده في واشنطن، المسؤول الأوّل والمباشر عن ملف التنسيق والتواصل مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى رغم الانزعاج الأميركي من رسالة نتنياهو السلبية، لكنّ القيمين على حملة هيلاري كلينتون الانتخابية والذين لمسوا وقوف اللوبي اليهودي الى جانبهم في المعركة الانتخابية، يعتقدون أنّ نتنياهو يحاول رفع سقف شروط حكومته وتحسين موقعه قبل وضع خريطة المفاوضات موضع التطبيق في الربيع المقبل.

ولأنّ المرحلة الحالية تسمح بشدّ الحبال وتحسين الشروط، ولو أنّ التعب بات يثقل كاهل الأطراف المتنازعة، تراجع مناخ التفاؤل الذي كان قد ساد أروقة المفاوضات حول اليمن في الكويت، وعادت لغة التشدّد والوعيد.

لبنان بدوره عليه الانتظار حتى الربيع المقبل موعد فرض التسوية الكبرى، ويُقال إنّ روسيا التي ستستقبل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حريصة على إيكال دور مباشر لتركيا في الحلّ السوري، وهو ما جرى التعبير عنه من خلال استعداد تركيا للمشاركة في حرب القضاء على «داعش» عبر دور برّي مباشر في شمال سوريا.

وبما أنّ الملف اللبناني سيشكل بنداً جانبياً للتسوية حول سوريا، فإنّ الكلام حول إنجاز الاستحقاق الرئاسي يبقى في إطار لعبة الإلهاء السياسي للأطراف اللبنانية تجنّباً للجنوح نحو المواجهات السياسية.

الرئيس سعد الحريري الذي سيغيب شهراً تقريباً عن لبنان همس للقريبين منه بأنه فور عودته سيحسم الضبابية التي توحي بموقفه من ترشيح العماد ميشال عون. والقريبون من الرابية فسّروا كلام الحريري إيجاباً، فيما اعتبرت أوساط في تيار «المستقبل» معارِضة لخيار وصول عون أنّ موقف الحريري سيأتي عقب لقائه بالملك السعودي ونجله ولي ولي العهد في طنجة في المغرب، ولن يكون إيجابياً لمصلحة عون.

هذا الفريق يتعاطى مع خيار عون من خلال البيكار الإقليمي والقائم على أساس تصاعد حدة النزاع مع إيران في انتظار دنوّ موعد الجلوس حول الطاولة.

الأوساط المؤيّدة لخيار عون تتحدّث عن شبه اكتمال ورقة التفاهمات التي يتولّاها وزير الخارجية جبران باسيل ونادر الحريري. ويعتبر أنّ التفاهمات الداخلية قادرة على تجاوز المناخ الإقليمي المتأزّم ونسج تفاهم داخلي بحت.

لكنّ للفريق الثاني تفسيراً آخر: «لماذا تقدّم السعودية ورقة مجانية إلى إيران في لبنان بينما المنطق يفرض تجميع الأوراق وانتظار لحظة التفاوض؟»

في لبنان قلّة قليلة جداً تعرف أنّ تيار «المستقبل» فتح باب التشاور سرّاً مع «حزب الله» حول خيار عون والاستحقاق الرئاسي. لكنّ هذه القلّة تكشف أنّ التباعد كبير، خصوصاً حول الضمانات التي يطلبها الحريري لمرحلة ما بعد وصول عون، وهي تتضمّن تكريس بقائه في رئاسة الحكومة وإطلاق يده الاقتصادية.

وهذا ما يفسّر ربما ثبات رئيس مجلس النواب نبيه بري في موقفه المعارض لوصول عون، والقرار السعودي بدوره لا يؤشر الى وجود نيات متساهلة. فالنائب وليد جنبلاط الذي يتمسّك دائماً باستكشاف مواقف السعودية والتظلّل بها، تراجع خطوات الى الوراء بعد حماسة واضحة، وجاءت كلمته في ذكرى مصالحة الجبل عامة وباردة.

كذلك، فإنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع المعروف بعلاقته الوثيقة مع مسؤولين سعوديين تحدَّث عن أفق مسدود حول الاستحقاق الرئاسي، فيما المنطقي أن يكون متحمِّساً لخيار وصول عون سريعاً.

كما أنّ فشل «ثلاثية» الحوار يُعزّز وجهة نظر الفريق المعارض الذي يعتبر أنه «لو بدها تشتي كانت غيّمت بالحوار…»

وتبدو مصادر ديبلوماسية غربية أقرب الى وجهة نظر المتشائمين، وتقول إنّ من السذاجة في مكان الاعتقاد بأنّ أطراف الازمة في لبنان قادرة على التحرّر من الأزمات الهائلة التي تعصف بسوريا والمنطقة.

وإذ إنّها ترى في هذا الحوار الرئاسي والضبابية المحيطة بمواقف أطرافه عاملاً مفيداً لأنّ البديل هو النزاع والمواجهات الحامية، فإنها تعتقد أن لا محال من ترك الحلول للربيع المقبل، حيث سيكون مثلاً «حزب الله» ملزَماً بالانسحاب من سوريا، ما يعني أنه سيكون في حاجة الى مظلّة سياسية لبنانية داخلية تحمي عودته، وهو ما يمكن تأمينه عبر التسوية السياسية الداخلية والتي تتضمَّن في أحد بنودها رئاسة الجمهورية.

فوفق هذه التسوية فقط ستتأمّن مصالح جميع الأطراف، وخصوصاً حزب الله و»المستقبل» ما يسمح بتأمين مظلّة حماية داخلية ترتكز على التفاهمات الجديدة. مظلّة تشبه مظلّة «إتفاق الطائف» أو «إتفاق الدوحة» أو ما بينهما.