لم يمضِ وقت كثير على التغييرات السياسية في المملكة العربية السعودية، حتى انطلق رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في جولة على عواصم عربية وغربية، بحثاً عن رصيد دولي قبل التسوية الكبرى. يبدو الحريري كأنه يحاول استنساخ تجربة والده الذي اكتسب شرعية دولية عبر علاقات كوّنها برعاية المملكة ومباركتها، ليتحوّل إلى وسيط سعودي لحل أزمات عربية وإسلامية، جمع من خلالها رصيداً حمله وعاد به إلى لبنان لإحكام قبضته السياسية والاقتصادية. الحراك الإقليمي والدولي الذي استأنفه الحريري الابن، منذ أشهر، من القاهرة إلى باريس فواشنطن ثم موسكو، «محاولة سعودية لتعويم الحريري من جديد»، على ما تقول مصادر مقرّبة من الرجل.
الرصيد الذي حظي به الأب، هو الذي يحاول الابن، اليوم، لملمته ليرجع به إلى لبنان مع حصول أي تسوية كبيرة. يقول مستقبليون إن «الحريري يستغل حالياً عطلته من رئاسة الحكومة، لتعزيز رصيده على الساحة، على غرار ما تفعل باقي الأطراف». وما يحصل «تُعدّ المملكة شريكاً أساسياً فيه، لأنه ليس من السهل أن تزور شخصية لا صفة رسمية لها مسؤولين عرباً وأجانب، وأن تدخل الى البيت الأبيض وتلتقي بمسؤولين كبار فيه من دون أن تكون الوساطة الملكية حاضرة». هذه الحيثية العربية والدولية التي تُعطى للزعيم الشاب، لا سيما بعد التغييرات الجذرية في الأروقة الملكية، مع إزاحة جناح بكامله وتسلم جناح آخر الحكم مكانه، هو بحسب مقربين من الحريري «قرار سعودي بتتويج سعد، رغم كل الكلام عن خلافه مع وليّ العهد محمد بن نايف، كوديعة المملكة في لبنان وممثلها كما كان والده، وهو الممثل الأساسي للطرف العربي على الساحة الداخلية، بعد نضوج التسوية، وهي على ما يبدو تقوم بإعداده لهذه المرحلة».
رواتب موظفي مؤسسات الحريري لم تصرف منذ ثلاثة أشهر
ولا شك في أن أحد أكبر المكاسب السعودية من «استثمار سعد في هذه المرحلة» هو في كونه «الوحيد القادر على تبليغ رسائل سعودية بأنها نموذج للاعتدال، نظراً إلى المنهجية التي فرضت على سعد اتباعها بالانفتاح حتّى على ألدّ خصومه الداخليين، وتحديداً حزب الله، عبر حوار بات يرى فيه المستقبليون ورقة رابحة في أيديهم»، وهي رسالة لن «يستسيغها أحد لو كان عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، هو الوسيط»! إذاً تريد المملكة أن تقول علناً إنها «تحتضن سعد الحريري، وإلا لما كانت انطلاقاته الى الساحات العربية والدولية لتكون من مطار الرياض».
لكن ماذا عن تعدّد الرؤوس داخل تيار المستقبل في ظل غياب الحريري حضوراً ومالاً، إذ لم يعُد خافياً أن رواتب الموظفين في مختلف مؤسسات الحريري لم تصرف منذ ثلاثة أشهر، في حين أن شخصيات مستقبلية تستفيد من علاقاتها العربية لتأمين أموال ومساعدات تصرفها في مناطق نفوذها المناطقية. ولأن في تيار المستقبل قاعدة ثابتة تقوم على أن «من يملك المال يملك السلطة»، يصُحّ السؤال عن مدى استغلال هؤلاء فراغ الساحة السنية لتعزيز وضعهم. رغم ذلك هناك اقتناع راسخ عند المستقبليين بأن «نهاية المطاف عند سعد نفسه». فقد أثبتت الوقائع أن «لا أحد قادر على أن يفوق حجم سعد على الساحة، ولا حتى أولئك الذين يملكون أموالاً طائلة». برأي المقربيّن «الأيام المقبلة ستكون هي الحكم. فقط راقبوا ما سيحدث على الأرض، ولا تلتفتوا كثيراً إلى الدعايات».