لا يزال قرار وزير العمل كميل ابو سليمان المتعلق بعمل غير اللبنانيين يتفاعل سلباً في الاوساط الفلسطينية، على الرغم من توضيحاته التي لم تروِ غليل اللاجئين المقيمين في مخيمات لبنان، بل دفعت بعضهم الى مزيد من الارتياب في دوافع الوزير والجهة السياسية التي ينتمي اليها. ويبدو انّ الفلسطينيين يراهنون على ان ينجح الرئيس سعد الحريري في استعادة الملف الى الحكومة ومقاربته من زاوية أخرى.
على وقع الاحتجاجات ضد خطة وزير العمل التي تفرض على الفلسطينيين نيل إجازة عمل وفق شروط محددة، وصل الى بيروت قبل ايام عضو المكتب السياسي في حركة «حماس» عزت الرشق موفداً من رئيس المكتب اسماعيل هنية، للتداول مع المعنيين في التدابير المستجدة والمتعلقة بالعمالة الفلسطينية في لبنان.
وقد استقبل الحريري يوم الجمعة الماضي الزائر الفلسطيني يرافقه وفد من قيادة «حماس» في لبنان، واستمع الى اسباب الاعتراض على الاجراءات التي اتخذها وزير العمل والهواجس التي ترتبت عليها.
وتفيد المعلومات، أنّ الوفد برئاسة رشق شرح للحريري مخاطر خطوة ابو سليمان، وتوقف عند ما سمّاه «توقيتها المشبوه ومساهمتها في اسقاط صفة اللاجئ عن الفلسطينيين الموجودين في لبنان، وضربها الحوار اللبناني- الفلسطيني الذي كان قد انطلق في السراي برعاية الحريري ورئاسة الوزير السابق حسن منيمنة، بحيث بدا كأنّها تحاول استباق نتائج الحوار وفرض أمر واقع عليه، خصوصاً أنّ الحقوق الانسانية والاجتماعية للاجئين مدرجة أصلا في جدول الأعمال».
سعى الحريري الى التخفيف من وطأة قرار وزير العمل ودلالاته، فقال لوفد «حماس»: «الوزير كميل ابو سليمان ما عنده خبرة كافية، وهو كان عايش برّا. ما تشدّوا عليه كتير، وأنا في اول اجتماع لمجلس الوزراء سأدفع في اتجاه اصدار مرسوم يُنصف العامل الفلسطيني، بس هلق خلينا نمرّر الموازنة، وطولوا بالكم».
وأبلغ ممثلو «حماس» الى الحريري انّ الفلسطينيين تلقّوا بكثير من الارتياح والتقدير قوله خلال الجلسة العامة في مجلس النواب إنّ الملف صار عنده، وانّه سيطرحه على مجلس الوزراء، «إلّا انّ وزير العمل وبدل ان يكحلها عماها خلال اطلالته عبر احدى المحطات التلفزيونية».
ومن جديد، حاول الحريري احتواء الامر، مخاطباً ضيوفه «الحمساويين» بالقول: «أحياناً، يخونه التعبير للوزير ابو سليمان ولا يوفق في اختيار عباراته».
وإزاء محاولة الحريري تبسيط مغزى قرار ابو سليمان، لفت الوفد الى انّ اتهام رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع «حزب الله» وحركة «حماس» بالوقوف وراء التحرّكات الاحتجاجية في المخيمات، انما يثبت أنّ المسألة هي سياسية أساساً ولا تتعلق بتطبيق القوانين، فأجاب الحريري معلقاً على موقف جعجع: «الحكيم لم يكن حكيماً».
وقد كلّف الحريري، خلال الاجتماع، رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني حسن منيمنة بمباشرة إعداد المرسوم الضروري لإنصاف العامل الفلسطيني بالتشاور مع الاحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء فور معاودة اجتماعاته.
ويؤكّد مصدر قيادي في «حماس» لـ»الجمهورية»، انّ الاستنتاجات السياسية التي ذهب اليها جعجع تهدف الى تأمين تغطية وزيره وصرف الأنظار عن الغاية الحقيقية الكامنة خلف القرار المجحف، والذي يندرج في إطار التمهيد لتطبيق «صفقة القرن».
ولكن جعجع أعلن صراحة رفضه «الصفقة»، واعتبر انّها فاشلة وولدت ميتة، فكيف يكون قرار وزير العمل توطئة لتنفيذها؟
يجيب المصدر: «جعجع يبكي علينا، فيما وزيره يتولّى ذبحنا.. نحن لا تهمنا دموع التماسيح، بل نراقب اسنانها».
ويلفت الى انّ «صفقة القرن» ترمي في ما يتعلق بلبنان الى تهجير جزء من الفلسطينيين تحت وطأة المضايقات ومنعهم من العمل، وتوطين الجزء الآخر بعدما يكون قد جرى تخفيض عدده لتسهيل التذويب، «وبالتالي، فانّ ما فعله وزير العمل يصبّ في اتجاه التهجير الذي يمهّد لتوطين من سيبقى»، ملاحظاً انّ هناك فريقاً لبنانياً ينسجم في سلوكه مع السياسة الاميركية التي سبق لها ان فرضت على «الاونروا» وقف توظيف الفلسطينيين.
ويشير الى انّ «ابو سليمان وضع شروطاً معقّدة ليستحصل الفلسطيني على إجازة عمل، كمن لا يريد تزويج ابنته فيرفع مهرها»، مشدداً على انّ «الفلسطينيين الذين أتوا قسراً الى لبنان هم لاجئون ولديهم وضع خاص، وقد استقبلهم الرئيس بشارة الخوري بشعار «اهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان»، فلماذا يريد وزير العمل ان يعاملنا فجأة كأجانب، مع ما يعنيه ذلك من اسقاط لصفة اللاجئ، وبالتالي ضرب حق العودة؟».
ويستغرب المصدر المزاجية الرسمية في اعتماد المعايير، «إذ تارة يرفضون اعتبار الفلسطينيين أجانب حتى لا يسمحوا لهم بالاستفادة من قانون التملّك، وطوراً يعاملونهم كذلك حتى يضيّقوا عليهم فرص العمل»، داعياً الى اعتماد معيار اللجوء أداة قياس وحيدة.
ويشدّد المصدر القيادي في «حماس» على انّ الاحتلال الاسرائيلي هو المسؤول عن معاناة اللاجئين، وبالتالي يجب ان تبقى معادلة الصراع فلسطينية- اسرائيلية، فلا تصبح فلسطينية- لبنانية او عربية، «وهذا يحتّم علينا ان نكون في خندق واحد مع اللبنانيين وان نضع استراتيجية مشتركة لمواجهة خطري التهجير والتوطين».