برزت عُقدة حكومية جديدة في الساعات الأخيرة سُمّيت «تمثيل سنّة المعارضة». وهو أمر جاهر به «حزب الله»، تزامناً مع إصرار «القوات اللبنانية» على وزارة العدل. وهو ما طرح السؤال عمّا إذا كان الأمر مجرد مصادفة، أم أنه رسالة الى الرئيس المكلّف سعد الحريري. فموقفه واضح ولا يعترف بهذه العُقدة على قاعدة «ليوزّرهم مَن رشّحَهم»؟!.
كان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على حقّ عندما قال في آخر إطلالة له إنّ أخطر ما شهدته المفاوضات لتأليف الحكومة الجديدة هو «التحدي الشخصي» وإنه كان من الأفضل أن لا تصل الأمور الى هذا المنحى الذي عطّل كل الترجيحات بإمكان تأليف الحكومة. لذلك لم يتمكن من تحديد موعد لولادتها ناصحاً بتجاهل هذه التكهنات. لكنه، رغم إشارته هذه، أحيا موضوع تمثيل النواب السنّة من خارج تيّار «المستقبل»، على رغم الحديث عن طيّ هذا الموضوع قبل فترة طويلة، بنحوٍ بات من الصعب تجاهله، خصوصاً أنّ الموضوع بات مطروحاً على خلفيّة أنّ «حزب الله» تخلّى عن حلفائه من النواب السنّة المعارضين لنهج الحريري الّذين خاضوا انتخاباتهم على هذا الأساس.
الإشارة الى هذا الموقف ليست لتحميل المسؤولية لـ«حزب الله» في عرقلة تشكيل الحكومة. فقد سبقه الى هذا المطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري عندما نصح الحريري عَلناً بعدم تجاهل هذا الأمر. فهؤلاء النواب الذين تمّ تجميعُهم في أكثر من لقاء ومناسبة يشكّلون ما مجموعه ثلث التمثيل السنّي تقريباً، إذا كانت عملية التأليف لا تتمّ سوى على قاعدة الترجمة النسبية لنتائج الإنتخابات النيابية. وهي انتخابات سجّل فيها تيار «المستقبل» تراجعاً كبيراً غير مسبوق في حجم التمثيل السني في عدد من الدوائر الإنتخابية على رغم أنّ مثل هذه المعايير لم تحترم على مستوى المكوّنات المسيحية، فيما بذلت الجهود لتطبيقها على المكوّن الدرزي.
لذلك فإنّ المتعاطين بملف التأليف الحكومي يحتسبون لهذا التمثيل حيزاً من التركيبة الحكومية الجديدة وكأنه شرط لا بد منه على رغم معرفة الجميع بموقف الرئيس المكلف منذ البداية. فقد فنّدت أوساطه الأسباب الموجبة لرفضه البحث في هذا الموضوع أكثر من مرة. ففي حساباتهم أنّ هؤلاء، باستثناء النائبين اسامة سعد وفؤاد مخزومي اللذين لم يتجاوبا مع الرغبة بتأليف مثل هذا «التكتل السني الإصطناعي»، والرئيس نجيب ميقاتي الذي يرأس كتلة رباعية تضمّ اليه ثلاثة نواب آخرين منهم الماروني والعلوي كما الأورتوذكسي، هم نواب لا رابط سياسياً أو حزبياً بينهم ووصلوا الى البرلمان عبر لوائح وتحالفات سياسية وحزبية معروفة نالت حقها من التمثيل الحكومي على قاعدة أكثرية تمثيلهم لطوائف أخرى. وقد سبق للرئيس المكلف أن تخلّى عن مقعد سني لرئيس الجمهورية مقابل مقعد وزاري مسيحي آخر يختاره دون العودة اليه.
لذلك قطع الحريري مشوار التأليف لخمسة أشهر من دون أن يتناول هذا الموضوع. وما أن جاءت عقبة «حقيبة العدلية» التي فرملت التأليف في ربع الساعة الأخير حتى أُعيد طرح الموضوع مجدداً فولدت التوأمة بين العقدتين «القواتية» و«السنية»، فاضطر عندها الحريري الى تذكير المتعاطين بعملية التأليف بموقف حاد لا نقاش فيه ومفاده «على مَن رشّحهم على لوائحه الإنتخابية ان يوزِّرهم». وبمعنى أوضح أنّ على مَن دعم وصول أيٍّ من النواب السنة المعارضين الى مجلس النواب أن يوزِّرهم من حصته الخاصة وليس من حصة الرئيس المكلف، خصوصاً أنّ الأمر بات رهناً بمقعد وزاري سني وحيد وضعه الحريري دون سواه بتصرف رئيس الجمهورية الذي حرص على أن تكون حصته الوزارية من كل الطوائف.
والى جانب العقدة المستعصية الناجمة من الخلاف على حقيبة «العدل» لا يمكن أيّ كان أن يتجاهل العقدة السنية التي برزت مجدداً بعد طيّ العقدة الدرزية وتوفير النهاية المقبولة لها بتوافق الجميع. وهو ما يزيد الأمور تعقيداً ما لم يبادر رئيس الجمهورية الى تبنّي هذا الطرح فيخصّص المقعد السني الذي في حوزته لهذه المجموعة. فمن المؤكد سلفاً أنه لن يكون هناك معترض طالما أنه لم يكن هناك أيُّ شرط مسبق يتعلق به، لا حول هويته ولا انتمائه ما لم يكن ذلك مرفوضاً من الجهة التي ستمثل عِبره.
وتأسيساً على هذا الواقع الجديد تسترسل المراجع المعنية في سرد المخاوف من إمكان بروز عُقَد جديدة تحول دون الولادة قريباً قبل استحقاق العقوبات الأميركية على إيران و»حزب الله». وتقول هذه المراجع «إنّ مجمل هذه التطورات زادت الشكوك في أن تكون العقد التي حالت دون تشكيل الحكومة خمسة أشهر محلية أو خارجية. فهي في شكلها ومضمونها توزّع المسؤوليات على أكثر من جهة. فإن صحّ اتّهامُ «القوات اللبنانية» بأنها عقّدت الأمور في اللحظات الأخيرة عبر حقيبة «العدل»، فماذا عن «العقدة السنية»؟ وهل يشكّ أحد في أنها تعبيرٌ عن أسباب خارجية تتلطّى بالأسباب الداخلية؟ وإلّا ما معنى أن يتكتل الجميع لعرقلة مهمة الرئيس المكلف المشغول بعقدة «العدل» بحثاً عن بديل منها يرضي الأطراف كافة. وما الذي يضمن إن حلّت العقدتان معاً، أن لا تبرز عقدة جديدة طالما أنّ هناك حقائب أخرى لم يتوافق الجميع عليها؟ لذلك طُرح اكثرمن سؤال: ما الذي يعوق بروز عقدة تتصل بانتماء وزير الصحة؟ وهل سيكون حزبياً من كوادر «حزب الله» أم أنه صديق؟ ومَن سيكون وزير الأشغال إن لم يكن يوسف فنيانوس الذي يصرّ عليه رئيس تيار «المردة» ويرفضه رئيس «التيار الوطني الحر»؟ وهل تخلو الأكمام من مجموعة من الأرانب التي يمكن أن تظهر في اللحظات الأخيرة في ظلّ الجوّ المحموم داخلياً وإقليمياً ودولياً؟