أدلى الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله بكلّ ما لديه في ملف الرئاسة اللبنانية، لكن وفق قاعدة المثل الشائع، «وفسَّر الماء بعد الجهد بالماء»، فما قاله يُساوي في المعادلة الرئاسية… لا شيء!
جُلّ ما تضمَّنه خطاب نصرالله، أنّه حافظ على الفرص متكافئة بين مرشّحَي قوى «8 آذار»، العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، مع أرجحية محدودة للمرشح الأول، يغلب عليها الطابع الأخلاقيّ لا العمليّ.
وهو ما حمل فرنجية على التعليق فوراً عبر «تويتر»: «سيّد الكلّ، السيّد حسن نصرالله». بالنسبة إلى فرنجية، قدّم نصرالله أفضل الممكن في هذه المرحلة الدقيقة، لأنّه حافظ له على حظوظه الرئاسية متساوية مع «الجنرال».
أما بالنسبة إلى العماد عون وجمهوره، فما قاله نصرالله لم يقنعهما، وما طرحه في خطابه من حججٍ ومعطيات، كانت التغريدات المتتالية لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع أبلغ ردّ عليها، وبقي التساؤل قائماً لدى «العونيين»، عن سبب عدم نزول نواب «حزب الله» الى جلسة 8 شباط المقبلة، لتكريس الالتزام «الأخلاقي والسياسي» الذي أكده نصرالله، في صندوقة الاقتراع؟
حقيقة الأمر أنّ الجميع يُجمع على أنّ «حزب الله» لا يريد إجراء الانتخابات الرئاسية أو أقلّه غير مستعجل على ملء الفراغ الرئاسي، لكنّ الخلاف هو على السبب الحقيقي الذي يدفع الحزب الى تأجيل هذا الاستحقاق؟
البعض يعتبر، الرأي الغالب، أنّ «حزب الله» ينظر بدقّة الى ما يتمّ تحقيقه خارج الحدود وتحديداً في سوريا من انتصارات عسكرية على الأرض، وما تُنجزه السياسة الإيرانية الخارجية بعد توقيع الاتفاق النووي تَظهَّر من خلال إبرام العديد من الصفقات والاتفاقات العسكرية والاقتصادية، تحديداً مع الدول الأوروبية.
كلّ هذه المدلولات تدفع الحزب الى التريّث في إتمام الاستحقاق الدستوري، لحين الحصول على مكاسب سياسية أكثر، ولاسيّما على صعيد الملف الحكومي وتسمية الرئيس المقبل، إضافة الى ما يصبو إليه بطرحه القديم الجديد للمؤتمر التأسيسي!
«المستقبل» و«القوات»… عودة التواصل
لكنّ ما يطرحه هذا الرأي، يُجانب الكثير من الحقائق والمعطيات الإقليمية والمحلّية أيضاً، ولعلّ الإجابة عن التساؤلات الآتية تكشف حقيقة ما يجعل «حزب الله» متردِّداً في حسم المسألة وإنهاء الشغور الرئاسي.
أولاً: هل يستطيع «حزب الله» أن يفرض على تيار «المستقبل» وبقية المكوّنات السياسية في البلد رئيساً للجمهورية، في ظلّ بقاء الساحات الإقليمية مفتوحة على كلّ الاحتمالات من اليمن وصولاً الى سوريا والعراق، من دون أن تكون هناك أيّ غلبة لمحور إقليمي على آخر؟
ثانياً: هل قرَّرت إيران أن تزيد من حدّة المواجهة بينها وبين المملكة العربية السعودية، عبر إضافة بقعة جغرافية أخرى الى الصراع الدائر بينهما خصوصاً في ظلّ انشغالها بتلميع صورتها الخارجية عقب الاتفاق النووي؟
ثالثاً: يعلم «حزب الله» وإيران أنّ سياسة المملكة العربية السعودية في المنطقة تغيّرت، وتحديداً بعد «عاصفة الحزم» في اليمن، ونجاح التحالف الإسلامي في تكريس معادلة إقليمية أخرى في مواجهة الأطماع الإيرانية. وعليه، هل تضمن إيران ردّة فعل المملكة وحلفائها في وجه أيّ قرار أو خطوة غير محسوبة النتائج في لبنان؟
رابعاً: أما على الصعيد المحلّي، هل يضمن «حزب الله» حتى ولو سارت الرياح الإقليمية كما يشتهي، موافقة شخصيات سنّية من الرئيس نجيب ميقاتي وصولاً الى الوزير السابق عبد الرحيم مراد، على ترؤس الحكومة المقبلة في تحدٍّ آخر للطائفة السنّية، ومواجهة القرار السعودي في هذ الخصوص؟
«ما نشهده حالياً من تطوّرات سياسية يؤدّي حكماً الى تأجيل البتّ بالاستحقاق الرئاسيّ، لفترة قد تطول أو تقصر بحسب الظروف الإقليمية المحيطة بنا، لكنّها بالتأكيد لن تسمح تحت أيّ ظرف من الظروف، لأيّ طرف لبناني بفرض رأيه وشروطه على الآخرين»، هذا ما يؤكّده قياديّ «مستقبليّ» التقى أمس الأوّل الرئيس سعد الحريري في الرياض.
ويقول هذا القيادي لـ«الجمهورية»: «الرئيس الحريري أبلغنا أنه لا يزال على موقفه، بدعم ترشيح النائب فرنجية لرئاسة الجمهورية، وفق معطيات ومؤشرات إقليمية متوافرة لديه»، مضيفاً: «سيكون للحريري موقف واضح من كلّ التطوّرات السياسية في ذكرى «14 شباط»، والتي من المرجح أن تُنظّم في البيال». ولم يخفِِ القيادي نفسه «توجّهاً لدى «المستقبل» لإعادة وصل ما انقطع مع «القوات اللبنانية»، عبر تفعيل الحوار والتواصل بين الحليفين».