«14 آذار» والإرهاب.. وانتخاب رئيس
جبهات الحريري المفتوحة.. والعودة إلى السرايا
كثيرة هي الانتظارات من الرئيس سعد الحريري. بعضها في قدرة الرجل ومتناول جهده اذا اجتهد. بعضها الكثير الآخر، يحتاج الى تضافر نيات وجهود وظروف ومعطيات لا يملك أكثر من محاولته، غير المضمونة النتائج، للإسهام في بلورتها.
المطلوب من الحريري ان يحارب على جبهات متعددة. يشبه في ذلك، الى حد بعيد، المطلوب من الجيش اللبناني. الحاجات كبيرة والإمكانيات والأدوات قليلة.
عاد الحريري الى بيروت وانهالت الاستحقاقات. إحياء الذكرى العاشرة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، محطة تفصيلية، وان مهمة، لشد عصب «المستقبل» المتراخي. ومن هذا التفصيل ينطلق الى الامور الاكثر جوهرية، ليس داخل تياره فقط، بل خصوصا في أوساط جمهور «المستقبل».
ليس جديدا التأشير الى خطر التطرف الذي يضيّق الخناق على الطائفة السنية في لبنان. يرفض كثيرون، لاعتبارات سياسية حينا وللتعميم المريح والمجنّب للتفكير والجدل حينا آخر، الإقرار بالمناعة التي أظهرها السنّة اللبنانيون عموما في مواجهة التطرف وأدبياته وسلوكياته. لكن هذه المناعة تبقى مهددة جديا وسط تزايد الجنون من حولنا. لذا، فإن مشاركة الحريري في تحصين اعتدال الساحة السنية، لا بل في جعلها جبهة المواجهة الاولى مع التطرف والارهاب، يتجاوز حاجة طائفته ليصبح حاجة وطنية. ولا يجوز في هذا المجال التقليل من أدبيات الحريري عن الدولة المدنية في هذا التوقيت تحديدا واعتباره من نافل القول أو بديهياته.
لكن مهمة الحريري في إعادة النبض الى «المستقبل» وتحصين الساحة السنية قد تكون أسهل من إعادة الروح الى «14 آذار». وهناك من يسأل هل حقا يريد الحريري استنهاض الحالة الآذارية؟ ماذا يمكنها ان تضيف اليه في خريطة تحالفاته الواضحة والثابتة؟
يريد الحريري «14 آذار» جبهة موحدة قوية صلبة في مواجهة جبهة مماثلة. لكنه عند الاستحقاقات الاساسية يريد ان يملك هامش التفرد الى حد بعيد في اتخاذ القرارات. وبعض القرارات سبق ان دفعت ثمنها «14 آذار» من تضامنها ومن حجم التأييد لها. أمام الحريري هنا جبهة اخرى ليخوض غمارها: الموازنة بين إحياء «14 آذار» كمطلب أساسي لبعض القوى المسيحية المستقلة، وعدم تحسس أي من الاحزاب المسيحية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على قدرته على المبادرة وامتلاك الكلمة الفصل في الملفات الاساسية والحساسة.
فالحريري ليس معنيا فقط في شؤون البيت اللبناني أو متأثرا به فقط. هو على تقاطع عربي ـــ دولي كان جزءا من إرثه لزعامة لها مترتباتها وتشعب علاقاتها ومصالحها.
بهذا المعنى تتوسع جبهات الحريري الذي يبدو منخرطا بحسم وحزم في محاور الانقسام الاقليمي والدولي. بالتالي، عليه ان يتابع المشاريع الانمائية لطرابلس، تماما كمتابعته ملف التفاوض الاميركي – الايراني النووي. عليه ان يرصد التغييرات في الديوان الملكي السعودي بدقة اكبر، ربما، من نشاط السرايا الحكومية اللبنانية.
لكن تبقى لهذه السرايا خصوصيتها. فهي بوابة العبور الى الشراكة على الساحة الداخلية والى الحضور على الساحة الاقليمية والدولية. ولا يمكن في هذا السياق تناسي أن الحريري الذي دخل السياسة زعيما منذ عقد من الزمن، استطاع ان يكون فيها صانع رؤساء الحكومات إلا انه لم يكن رئيسا إلا لمرة واحدة. فهل لهذه الاسباب يخوض الحريري اليوم معركة رئاسة الجمهورية؟ هل تقف رغبته وحاجته الى العودة الى السرايا الحكومية وراء إصراره على فتح كوة في انتخابات رئاسة الجمهورية؟
المطلعون على مواقف الرجل يؤكدون ان «خوفه الكبير من التطورات القادمة في المنطقة تتحكم في إصراره على الدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية في محاولة خلق شبكة أمان وطنية. وهو يعمل بجدية من أجل الوصول الى نتيجة في هذا الموضوع. ويجب أن يقرأ انفتاحه الكبير وإصراره على التحاور مع الجميع من هذا المنطلق».
ومع ذلك تبقى رئاسة الجمهورية في لبنان جبهة من جبهات الحريري الكثيرة المفتوحة، وهي كلها تستدعي العودة الى السرايا الحكومية كخطوة أساسية لإعادة الجمع بين الزعامة والسلطة.. والقدرة على الإنجاز.