لم تكن الوفود الشعبية العابرة لحدود المناطق اللبنانية كافة، التي لبت دعوة «التيار الوطني الحر» واحتشدت أمام القصر الجمهوري في بعبدا («بيت الشعب») يوم أمس، مجرد احتفال وتهنئة للرئيس العماد ميشال عون بوصوله الى سدة الرئاسة الأولى، بعد 26 عاماً على خروجه من هناك بقوة عسكرية فاقت قوته على الصمود، بقدر ما كانت رسالة بالغة الدلالة، وعن «سابق اصرار وتصميم»، خلاصتها ان الرئيس عون، ليس كغيره من الرؤساء، وهو يحظى، في «الأيام الحلوة، كما في الأيام المرة»، بشعبية وقفت الى جانبه، في «السراء والضراء» ولم تتراجع، وهو يحمل مشروعاً «سياسياً، اصلاحيا – تغييرياً»، تجسد في مواقفه السابقة كما وفي «خطاب القسم» الذي اتفق عليه جميع الافرقاء السياسيين واعتبروه جامعاً مشتركاً، في في ظل ظروف صعبة، بالغة الدقة والخطورة، يمر بها لبنان ومن حوله تشتغل المنطقة بحروب «الاخوة الأعداء» التي فتحت باب التدخلات الدولية من أوسع أبوابها وليس في الأفق المنظور ما يؤشر الى نهاية قريبة لهذه الحروب..
ليس من شك في ان عبور لبنان من «الفراغ الرئاسي» الذي امتد لنحو سنتين ونصف السنة، الى انجاز 31 تشرين أول الماضي، نقطة مضيئة، بل مفصلية، بالغة الأهمية تضع الجميع أمام مسؤوليات كبرى، خلاصتها «يبقى لبنان او لا يبقى».. والجميع متفق على ان العبور الى المرتجي لن يكون سهلاً وخالياً من العقبات والعراقيل، وذلك على الرغم من ان بداية الانطلاق في «مسيرة الانقاذ» توحي ان التضامن بين «الثلاثي الالماسي» (الرئيس عون، الرئيس بري والرئيس الحريري) وفر أرضية متينة جداً للانطلاق، وان كان عديدون يحذرون من «الشياطين» التي تسكن في التفاصيل..»؟!
إلى الآن، تبدو ان إرادة الثلاثي «الالماسي» تتظهر على أرض الواقع، لتؤكد ان إرادة الثلاثة، وما ومن يمثلون أمر ضروري واجب الوجوب، وإن كان غير كاف، لاطلاق مسيرة العهد الجديد، على نحو عملي وتفصيلي، عبر «حكومة وفاق وطني» جامعة – وان كانت قصيرة العمر بالنظر لارتباطها بالانتخابات النيابية الربيع المقبل – «يشارك فيها أكبر عدد من الكتل السياسية» على ما قال الرئيس سعد الحريري، الذي حاذر بواقعية لافتة القول «يشارك فيها الجميع»، لأسباب من بينها استحالة توفير مكان للجميع وان توسعت دائرة الحكومة من 24 الى 30 او الى 32 وزيراً، وان كان بعض الافرقاء يصرون على ان تكون حصتهم في الحكومة توازي حجم «تمثيله الشعبي» او توازي حجم دوره في ابرام الاتفاقات او «التفاهمات» او «التسويات» التي أفضت الى انجاز الاستحقاق الرئاسي على النحو الذي حصل.
حيث كانت المخاوف بدا ان التطمينات كافية.. فـ»الثنائي الشيعي» او ما اصطلح على تسميته بـ»الثنائي الشيعي» المؤلف من «أمل» و»حزب الله»، برئاسة الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله، ابرم اتفاقاً لا يحيدان عنه، فلا مشكلة على الحقائق ولا مشكلة في أي حقيبة تكون لهذا الفريق او لذاك.. وان كانت «كلمة السر» لاتزال بين يدي بري ونصر الله، وكيف ستكون مسألة التعاطي مع حلفائهما وبأية نسبة، ومن سينال نصيبه ومن يعتذران منه؟!
المشكلة الحقيقية التي ستواجه الرئيس سعد الحريري لن تكون في «السنّة السياسية» ولا في «الشيعية السياسية»، بل في «المسيحية السياسية»، وتحديداً في «المارونية السياسية».. الموزعة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، و»التيار الوطني الحر»، و»القوات اللبنانية» و»الكتائب» وسائر «الوسطيين»..
درجت العادة على ان يحظى الرئيس بحصة منعزلة عن حصة فريقه.. و»التيار الحر»، على ما أوحت الرسائل المتتالية وحجم تمثيله النيابي، هو الفريق الذي لا يضاهيه أي فريق آخر، في المارونية السياسية، خلافاً لما تذهب اليه قيادات «القوات اللبنانية» حيث يرى عديدون ان الدكتور سمير جعجع وفريقه، يبالغون في تكبير دورهم في مسألة انجاز الاستحقاق الرئاسي الذي أفضى الى انتخاب العماد عون، وصل بهم الى حد القول «ان هذا الانجاز صنيعة أياديهم..» وهي مسألة لا تلقى قبولاً عند آخرين، ابتداءً من «التيار الحر» وحلفائه، الى الرئيس بري و»حزب الله»، الى سائر الافرقاء المسيحيين، وان كانوا لا ينفون دوره..؟!
ومن باب الحيطة والحذر، وتجنباً لمخاطر اختصار المارونية السياسية باثنين (عون وجعجع)، فإن الأوساط السياسية النافذة، والعاملة على خط انجاز الاستحقاق الحكومي تشجع الرئيس الحريري، بل «تنصحه» باشراك «تيار المردة» برئاسة النائب سليمان فرنجية، و»حزب الكتائب» برئاسة النائب سامي الجميل في الحكومة العتيدة، لأن ذلك يبعد عن الحكومة صفة الابعاد والانتقام و»المحسوبية» ويوفر لها شروط «الوفاق الوطني» التي يشدد عليها الرئيس الحريري نفسه..
الجميع ينتظر ما ستكون عليه تطورات الأيام المقبلة، والرئيس الحريري يتطلع لانجاز تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، وهو خلال لقاءاته القوى والاحزاب والتيارات السياسية من «الحلفاء» كما من الذين كانوا على خصومة معه، («حزب الله» وحلفاؤه)، شعر بأجواء مريحة تؤسس لمرحلة جديدة تضمن تسريع تأليف الحكومة وضمان سلامة انطلاقة سريعة ومريحة للعهد الجديد، وتؤسس لمرحلة أبعد من حدود الانتخابات النيابية على قواعد تحول في العلاقات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، بحيث يتكاتف الجميع من أجل انجاح مسيرة العهد..