بات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يستعجل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة بعدما تمهل 26 يوماً من أجل الاتفاق على صيغتها الجديدة خلافاً لنصوص الدستور، وذلك بناء لنصائح من حليفه “حزب الله” التمهل ريثما يتم الاتفاق مع الرئيس سعد الحريري على تركيبتها.
في البداية كان الرئيس عون متناغماً مع “الحزب” على التمهل، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية عليه من أجل تسريع تأليف الحكومة تزايدت في الأسبوعين الماضيين، بحيث بات يشعر بوجوب حسم الأمور على رغم الحجة التي ساقها محيطه بأن الدستور لا يحدد له مهلة زمنية لإجراء الاستشارات. وفضلاً عن الحملات المتعددة الأوجه ضد تأخيرها، وأبرزها من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، فإن المجتمع الدولي بات يضع اللوم عليه بطريقة غير مباشرة، فيلحّ على الخروج من المراوحة في إيجاد الحكومة البديلة، كشرط للبحث في مساعدة لبنان على تجاوز مخاطر الانهيار المالي الذي يلوح شبحه. وثمة من يقرأ قول الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش قبل يومين، بعد لقاءاته في واشنطن مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حول سبل مساعدة لبنان، في خانة تصاعد هذه الضغوط من أجل إنهاء المراوحة الحكومية. فلهجة كوبيش جاءت واضحة في معرض حديثه عن “القلق الخطير من تسارع تعميق الأزمة الاقتصادية وفقدان الإدارة الملائمة لها…”، وهي المرة الأولى التي ينتقد فيها مسؤول دولي طريقة معالجة المأزق، ما يفسره مراقبون بأنه لوم مباشر للحكم في لبنان.
إستعجال الرئيس عون قابله “حزب الله” بالتمني عليه المزيد من “التأني”، وهو التعبير الذي استخدمه الأول في كلمته لمناسبة ذكرى الاستقلال، لتبرير استمهال “الحزب” الضمني له.
وسط معطيات المتصلين بـ”الحزب” عن أن خلفية استمهاله عون هي أنه سيجري محاولة أخيرة لحسم الموقف مما تصفه قيادته وعون نفسه، بـ”تردّد” الحريري، والحصول على جواب نهائي منه إذا كان على موقفه الرافض لتأليف حكومة تكنو- سياسية، مقابل إصراره على “الاختصاصيين”، يحاول هؤلاء استكشاف مدى صحة معلومات عن أن المجتمع الدولي الذي يرتاح إلى وجود الحريري على رأس الحكومة، لم يعد يربط مساعدة لبنان بهذا الموقف، بل يستعجل الحكومة لأنها المدخل الإجباري لإنقاذ الوضع المالي الخطير من الانهيار، إذا بقي البلد من دون إدارة يمكن للدول المعنية بحماية الاستقرار فيه أن تتعاطى معها، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول حذرة جداً حيال أي حكومة من لون واحد، يسيطر عليها “حزب الله” بالكامل.
ومع التسريبات عن أن استعجال الرئيس عون إجراء الاستشارات، بالخروج من دائرة انتظار حسم الحريري لموقفه، يترافق مع قناعة في القصر الرئاسي بأن تختار الأكثرية التي يمون عليها مع “الحزب” وحلفائه شخصية ما حتى لو كانت من لون واحد، فإن منطق هذا الاستعجال يقول أن يترك أمر قبول المجتمع الدولي بالتعاون معها أم لا إلى حينه، والتفتيش عن وسائل دعم من الدول التي يتيسر الحصول على مساعدتها، وإذا ساء الوضع الاقتصادي نتيجة لذلك فإن عدة اتهام الحريري وفريقه وحلفائه بأنهم وراء التدهور جاهزة…
حتى الأمس كان “الحزب” بدوره متردّداً حيال أسماء بحوزة فريق عون والوزير جبران باسيل كبدلاء من رئيس الحكومة المستقيل. هذا فضلاً عن أن الدولة الحليفة لـ”الحزب” أي روسيا، أعادت التأكيد في بيان وزارة خارجيتها قبل 3 أيام على دور الحريري في “إيجاد حل سريع على قاعدة التوافق الوطني لأهم المسائل الداخلية ومنها صيغة وتشكيلة الحكومة الجديدة…”، وهو موقف يؤشر إلى اهتمام موسكو بعودة الحريري الذي تعتبره زعيماً سنياً معتدلاً له وزن إقليمي وعلاقته جيدة معها.
كل هذا يجعل من البحث عن بديل الحريري دوامة في وقت يتجنب هو تسمية بديل عنه طالما اختار البقاء خارج التركيبة إلا بشروطه.