IMLebanon

الحريري يرضخ للتهويل وعون يراهن على زيارته الى موسكو لـ «قلب المشهد»

 

لم تتبلور «صيغة» واضحة خلال اجتماع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري للتعامل مع قضية النزوح السوري في لبنان عشية توجه الاخير لحضور مؤتمر بروكسل3 الذي يعقد تحت عنوان «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، فالرجلان يملكان مقاربة مختلفة لكيفية التعامل مع هذا الملف، ولكنهما في الوقت نفسه محكومان «بتسوية» لا تزال بنودها تحكم العلاقة بين «بيت الوسط» و«بعبدا» ولا يرغب الطرفان في تعديلها او التراجع عن خطوطها العامة و«الخاصة»، ولذلك يتعامل كل منهما بحذر شديد مع الملفات «المتفجرة» كيلا تنعكس على العمل الحكومي…

 

لكن، اذا كانت بعض القضايا الداخلية قابلة «لتدوير الزوايا» ويجري التعامل معها على نحو «مقبول» حتى الان، حيث تم تجاوز «مطب» مكافحة الفساد بالاتفاق على الآليات التي ستتبع لمقاربة هذا الملف دون المساس «بالخطوط الحمراء» التي رفعها رئيس الحكومة وتياره السياسي، فان الاستحقاقات الخارجية الداهمة ستكون امام مواعيد «مفصلية»، في ظل ضغط اميركي واوروبي يجري تحت «عنوان» رفض التعامل مع الحكومة اللبنانية «بالمفرق»، وهو امر نبه اليه الرئيس الحريري في اجتماعه الاخير مع رئيس الجمهورية، طالبا مرة جديدة تقدير موقفه، وعدم احراجه خارجيا، لانه بات يستشعر بوجود نوايا تصعيد تحتاج في المقابل الى مقاربات «منطقية»، حسب تعبيره، لمختلف الملفات المرتبطة بعلاقات لبنان الخارجية، وفي مقدمها العلاقة مع النظام السوري ومقاربة ملف النزوح… واذا كان رئيس الجمهورية «متفهم» لموقف رئيس الحكومة من «التطبيع» مع دمشق، فانه غير موافق على موقفه من مسألة النازحين، وهو سيحمل موقفا مختلفا الى موسكو ويراهن على حراك روسي «يقلب المشهد»…

 

ووفقا لاوساط نيابية مطلعة، يلجأ الرئيس الحريري مرة جديدة الى سياسة «التهويل» لاقناع الفريق الاخر المعترض على سياساته الخارجية والداخلية، بأن المخاطر المحدقة بلبنان قد تتجاوز قدرته على تحملها في المرحلة المقبلة اذا لم يتم التعامل مع هذه الاستحقاقات «بحكمة» ودون الاقدام على «دعسة ناقصة» قد تطيح الاستقرار الداخلي المرتبط حكما بالرعاية الاقليمية والدولية لهذا «الستاتيكو» القائم الان، وهو يقول صراحة امام زواره ان الاوروبيين ومن خلفهم الاميركيين لم يتفهموا رغبة اللبنانيين بحل ازمة النزوح السوري وفقا للطريقة المتبعة من الفريق «المحسوب» على دمشق، وباتت الامور واضحة بانهم غير راغبين بالتخلي عن هذه «الورقة» دون اثمان سياسية من النظام السوري، فهل المطلوب ان «يعاند» لبنان هذا الامر ويدفع «الثمن» بدلا من الرئيس بشار الاسد؟

 

ووفقا لهذه المقاربة، فان رئيس الحكومة مع ابقاء الوضع على ما هو عليه وتأمين المساعدات الدولية المطلوبة للبنان كي يستطيع النهوض بعبء هؤلاء الى حين نضوج المناخات العربية والدولية المؤاتية لعودتهم، فالامر بالنسبة اليه ليس مجرد وزير بالزائد او الناقص يتم تجاهل دعوته الى بروكسل، وانما «رسالة» غربية واضحة بان التسامح مع «التشاطر» اللبناني لم يعد ممكنا، خصوصا ان بعض الديبلوماسيين الغربيين حاولوا الاستفسار منه شخصيا عما تعنيه زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب الى سوريا دون قرار من مجلس الوزراء، وقيل لاحقا ان رئيس الحكومة كان في «اجواء» الزيارة دون الموافقة عليها، وكانت الاسئلة محددة حول مفاعيل هذه الزيارة وكيفية ترجمة هذه «البدع» القانونية والسياسية اللبنانية التي تميز عن زيارات شخصية، وزيارات رسمية، وكان ثمة ايحاء من هؤلاء الديبلوماسيين بان هذا «المزاح» اللبناني «السمج» لا يبني سياسة خارجية يمكن ان تخاطب من خلالها الحكومة اللبنانية نظيراتها الغربية، وكان وضحا المطالبة بوقف هذه «الهرطقة» لان الدول التي تحترم نفسها لا يمكن ان تقبل التعامل بهذه الطرق «الملتوية» في السياسة، وبقي السؤال العالق: من يمثل الموقف الحقيقي للحكومة اللبنانية؟

 

وفي هذا السياق، يدل استثناء وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، ووزيرالصحة جميل جبق، من الدعوة الى بروكسل وقرار حصر الدعوات برئيس الحكومة سعد الحريري ووزيري التربية أكرم شهيب والشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، مع العلم انه وفي النسختين السابقتين شملت دعوة الاوروبيين الوزارتين اللتين كان يشغلهما آنذاك، غسان حاصباني ومعين المرعبي، يدل ذلك على ان الغرب اختار بنفسه حسم «التخبط» الداخلي اللبناني وفرض رؤيته من خلال دعوة فريق سياسي ينسجم مع مقاربته لهذا الملف، وهو بذلك وجه «رسالة» واضحة بانه لا يريد نقاش اي افكار اخرى، وعلى لبنان اما القبول بما هو معروض او الرفض وعندها عليه تحمل مسؤولية خياراته..!

 

ووفقا لتلك الاوساط، لا تتوقف حملة «التهويل» عند هذا الحد، ففريق رئيس الحكومة بدأ يربط كيفية مقاربة لبنان للملفات الخارجية بتنفيذ مؤتمر «سيدر»، اذ ينسب الى مسؤولين اوروبيين تأكيدهم ان الدول المانحة لن تتوقف فقط عند تحقيق الحكومة اللبنانية للاجراءات الاصلاحية المطلوبة لمباشرة العمل بمقرارات «المؤتمر»، فالاموال المرصودة لن تصرف بمجرد الايفاء بالالتزامات الاقتصادية والادارية فقط، وانما الامر منوط ايضا بالتزام لبنان سياسة «النأي بالنفس» التي جرى اقرارها في البيان الوزاري واي تعديل عملي لهذه «المعادلة» سيقابلها حتما موقف اوروبي واميركي متشدد قد يطيح كل القروض والاموال المرصودة، ولذلك يتمسك الرئيس الحريري بسياسته ويحاول وضع الفريق الآخر امام «الحائط»، ويترافق هذا الامر مع تسريب ممنهج عن ان الخطوة البريطانية بتصنيف حزب الله «ارهابيا» ليس الا مقدمة لتصعيد سيكون اكثر «ايلاما» تقوده واشنطن وسيشمل ايضا كل «حلفاء» الحزب…

 

في ظل هذه المناخات «المتشنجة»، لا ترى اوساط وزارية معارضة لنهج رئيس الحكومة ان «التهويل» في هذا الملف سيجدي نفعا لان الاستسلام للرغبات الغربية يعني توطين النازحين في لبنان، وهذا الامر تفصيل لا يمكن التعامل معه بخفة، واذا كان الحريري يشعر «بالضعف» في مواجهة هذه الضغوط، فان الامر لن ينطبق على باقي مكونات الحكومة التي ترى ان موقف لبنان قوي جدا اذا ما تم استثماره على نحو جيد، فالاوروبيون هم القلقون من موجة النزوح الى اراضيهم ولديهم مصلحة في عدم «انفجار» هذا الملف في «وجههم»، ومن هنا يجب على اللبنانيين فرض شروطهم لا العكس.. ولذلك فان المرحلة المقبلة ستشهد «كباشا» داخليا جديا حول مقاربة هذه السياسة على نحو شامل، والفريق «المناوئ» للحريري ينتظر زيارة الرئيس عون الى موسكو وما سيسفر عنها من نتائج خصوصا على صعيد «تسييل» المبادرة الروسية، وستكون هذه «نقطة» تحول في مقاربة هذا الملف، واذا ما اتضح ان لدى موسكو خطط عمل متكاملة بالتنسيق مع الجانب السوري، لاعادة النازحين، فإن القرار سيكون حاسما للمضي قدما بهذه الخطة بعيدا عن الضغوط الاميركية والاوروبية، ولن يتراجع الرئيس عون عن ترجمة نظرته المختلفة للملف، وهو يحمل معه نقاطا محددة وتفصيلية للتسريع في تحريك «العودة»، واذا كانت موسكو غير جاهزة بعد، فان هذا لن يغير النهج المتبع حاليا في مواصلة التواصل مع النظام السوري لتهيئة الظروف المؤاتية لعودة النازحين، وهذه المقاربة سيتم تفعيلها على نحو مكثف ولن تمنع «هواجس» الحريري او التهديدات الاميركية والاوروبية، الفريق «الصديق» لدمشق من المضي قدما في تعزيز العلاقات الثنائية، وهذا الامر سيكون محور نقاش جاد في الجلسات المقبلة للحكومة…