بعد أن فاضت الكأس، بادر الرئيس سعد الحريري الى لقاء مصارحة من نوع مختلف، للمرة الأولى منذ بدء التسوية الرئاسية، مع الرئيس ميشال عون أولاً ومع الوزير جبران باسيل ثانياً، في لقاء الخمس ساعات الذي كانت زبدته تراجع باسيل عن مزيد من استفزاز شارع الحريري، وإقراراً بضرورة التصحيح.
تقول معلومات عن فحوى اللقاء، انّه كان اكثر اللقاءات صراحة، حيث تولّى الحريري تفنيد أخطاء باسيل تجاهه وتجاه شارعه، الأمر الذي أدّى الى استفزاز الشارع السنّي، والى خروج دار الإفتاء ورؤساء الحكومة الثلاثة، واللواء أشرف ريفي، ومعظم النخب السنّية السياسية والإعلامية، دفعة واحدة للردّ على باسيل والتجاوزات بحق الصلاحيات والدستور، ولازمة الحقوق التي تتكرّر دورياً على لسان وزير الخارجية.
وتشير المعلومات، الى انّه سبق للحريري أن أعلن احتجاجه امام الرئيس عون، الذي أحال الاحتجاج الى باسيل. وهكذا كان لقاء الخمس ساعات، حيث أثمر وعداً من باسيل للحريري بعدم تكرار الخطاب الاستفزازي. وعلى أثر انتهاء اللقاء صدر عن الحريري بيان دافئ اتى على إيقاع تعهدات باسيل بتجنّب الاستفزاز والمسّ بالصلاحيات.
تقول المعلومات، انّ الحريري سأل باسيل: «تتكلّم دائماً عن استرداد الحقوق، هل أن لك حقوقاً معي أو مع السُنّة، وما هي هذه الحقوق؟ اذا كان هناك من حقوق فعلاً، فلأخرُج الى الناس وأُعلن في مؤتمر صحافي أنني أعدتُ لك حقوقك، أما اذا كان الهدف الإعتداء على صلاحيات رئاسة الحكومة، فهذا مرفوض ولن أقبل به تحت أي طائل، وليتحمّل المسؤولية كل من يخرب التسوية».
وتضيف المعلومات، انّ الحريري توسّع في انتقاده، موجّهاً كلامه الى باسيل: «كل خطابك مصوّب في اتجاه السُنّة، أليس لديك حقوق مع «حزب الله»، ولماذا التركيز على استعداء السُنّة، الذين يؤمنون بالدستور و«اتفاق الطائف» والعيش المشترك، وهل من المفيد أن تستمر في هذا الخطاب؟».
وتكشف المعلومات، انّ الحريري لمّح الى الانتخابات الرئاسية المقبلة بنحو غير مباشر، اذ صارح باسيل بأنّه «في ظل هذا السلوك، ماذا أقول لنوابي والنواب السنّة، إذا كان أتى مرشح لرئاسة الجمهورية، وانتهج خطاً وفاقياً ملتزماً بالدستور وغير استفزازي»، مشيراً الى «انّ معظم القيادات السنّية ترى بما حصل، علامة فارقة في اتجاه الإستقواء وضرب العيش المشترك».
وتضيف المعلومات، انّ خاتمة اللقاء بين الرجلين كانت إيجابية بعد أن أقرّ باسيل بأخطاء أرتُكبت يجب معالجتها، ووعد بأن تحصل هذه المعالجة في مجلس الوزراء وخارجه. والكلام هنا لا يتعلق بالتعيينات الإدارية، بل بوقف كل ما يمكن أن يُفسّر على أنّه تجاوز للصلاحيات الدستورية ولموقع رئاسة الحكومة ودورها، وتأكّيداً على رغبته في التعاطي الإيجابي. وبعد أن تأخّر الحريري في إصدار بيان بعد اللقاء، إتصل به باسيل وطالبه بأن يُصدر بياناً ينفّس الإحتقان وهكذا حصل. وقد بدا في جلسة الحكومة أمس، أنّ التفاهم كان سيّد الموقف، إذ استُبدل باسيل القديم بآخر جديد، لكن من دون أن يُعرف الى متى سيستمر الجديد في نهجه الجديد.
للمرة الثانية يقوم الحريري بإنقاذ عهد عون من أزمة وطنية مُحققة، كانت ستقع لو قدّم استقالته. فالجميع يعرف، وأولهم العهد، انّ لا احد سيحلّ مكان الحريري لو استقال، وأنّ لا بديل عنه لاستكمال التسوية. واذا كان الحريري، الذي عاد عن استقالته في المرة الاولى، قد استطاع بسهولة استيعاب الموقف في الطائفة السنّية، فإنّه في المرة الثانية دفع مزيداً من رصيده للإبقاء على التسوية. هذا الرصيد الذي استنزفه أداء باسيل وهيمنة «حزب الله» على قرار البلد.
لكن الجميع بات يعرف أنّه لم يعد لدى الحريري ما يقدّمه، وهذا ما فهمه باسيل الذي أصبح طرياً بعد لقاء «بيت الوسط»، بعدما كاد اداؤه ان ينسف آخر ما تبقى للتسوية من فرص حياة.