تشهد الساحة اللبنانية الآن وعلى مدى أسابيع مقبلة تنافساً إنتخابياً قوياً في كافة الدوائر الانتخابية في لبنان. ويتخلّل هذا التنافس نزاعٌ سياسيٌّ حادّ بين مشاريع سياسية محلّية، بعضها ذات بُعدٍ إقليمي خارج حدود الوطن العربي، والبعض الآخر له بُعد محليّ وطني بإنتماء عربي.
ومن المعلوم بالضرورة أنّ الحريريّة السياسية التي رسّخت وجودها الشعبي منذ عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري في بيروت وبقيّة المناطق اللبنانية، حسمت خيارها بنهائيّة الكيان اللبناني مع انفتاحه وتكامله مع أشقائه العرب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
وبهذا المعنى فإنّ المشروع السياسي الذي يقوده الرئيس سعد الحريري وفريقه الآن، هو المحتوى الفعلي للحريرية الوطنية السياسية، التي أرست قواعدها على صيغة عروبة لبنان والانصهار الوطني وبناء ثقافة المواطنة والعيش الواحد بين اللبنانيين، وترسيخ فكرة «النأي بالنفس» عن المحاور الإقليمية، والالتزام بقضايا الأمة العربية العادلة، والتضامن مع العرب في مواجهة العدو الصهيوني من ناحية، والرفض المطلق للمشروع الصفوي الفارسي المقبل من خارج المنطقة العربية من ناحية أخرى.
ولذلك فإنّ الانتخابات اللبنانية المقبلة تتميّز بأهميةٍ خاصة لما يترتّب على نتائجها من صورة المرحلة المقبلة للسلطة التنفيذية، المنبثقة من نتائج هذه الانتخابات.
وبهذا المعنى فإنّ الحريرية السياسية مُستهدَفة في هذه الانتخابات من عدد من الأفرقاء، بعضهم جزء من المشروع الصفوي الفارسي، والبعض الآخر خرج من رحم هذه الحريرية مستخدِماً خناجرَه المسمومة طعناً ونكراناً، بحُججٍ وأوهامٍ تخفي تطلعاتٍ ومآرب شخصانية، والبعض الآخر أيضاً يطمح ليكون بديلاً هزيلاً بشعاراتٍ ظاهرُها يتناقض مع باطنها، مستغلّاً أخطاء وخطايا ميليشيوية حزبية ومستفيداً من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والنعرات المذهبية والطائفية التي تمرّ بها المنطقة.
ولا شك في أنّ الاستنهاض الوطني وتسوية «الضرورة الوطنية» التي قادها الحريري على رغم وعورتها، أنتجت انتخابات رئاسية واستقراراً سياسياً وأمنياً بارزاً سيلعب دوراً في تحصين مشروعه السياسي الذي هو في الوقت نفسه مشروع بناء الدولة الوطنية القوية والعادلة.
غير أنّ المتربّصين بالحريرية السياسية ما زالوا مستمرّين في محاولاتهم لاستضعافها أو استبدالها أو اختراقها، مستمدّين قوتهم الظاهرة والمستترة من المشروع الإيراني وحلفائه في لبنان، الذين يعملون ليل نهار لمحاصرة الحريرية السياسية أو اختراقها، من خلال دعم عدد من المرشّحين للانتخابات النيابية في مختلف المناطق الإسلامية اللبنانية بشعار «محور المقاومة»، وإن كان هذا في حقيقته هو استكمال سياسي للاجتياح الميليشيوي لبيروت في 7 أيار 2008.
ومن المؤكد أنّ الفريق السياسي المعاون للحريري سيعمل لاستنهاض المواطنين بالتنبّه الى المخاطر المقبلة، وهذا يتطلب وعياً متقدّماً من كل المرشّحين بأن يحسموا خياراتهم ويعملوا لإنجاح المشروع السياسي الذي يقوده الحريري، والتعالي على المصالح الذاتية، لأنّ القضية ليست أن يصل هذا أو ذاك الى مقعدٍ نيابيٍّ ما، وإنما أن يكون الهدف الحفاظ على عروبة لبنان وسيادته وإبعاده من المحاور الإقليمية بنهوض الدولة ومؤسساتها، ودعم المشروع الوطني للحريرية السياسية، التي هي مكان ثقةٍ أكثرية اللبنانيين والعرب والمجتمع الدولي، وهي خريطة الطريق الواعدة لبناء هذه الدولة التي يتطلّع إليها اللبنانيون جميعاً.
صحيح أنّ المغريات كثيرة والقانون الانتخابي، على ثغراته، يشجّع الطامعين والطامحين الذين بلغ عددهم 976 مرشحاً لمئة و28 مقعداً نيابياً، يتكوّن منه المجلس النيابي الذي حُكماً سينتج حكومة تقود البلاد وتنحاز، إما لمشروع بناء الدولة أو لرعاية مصالح «الدويلة».
وهذا يتطلّب حكمةً عاليةً وإيثاراً كبيراً للمرشحين واللوائح الانتخابية بأن تعيدَ حساباتها والانحياز الى المشروع السياسي الذي يريد لبنان سيداً حراً عربياً مستقلّاً بعيداً من المحاور التي تستهدف لبنان والمنطقة العربية بكل مكوّناتها.