لا يقل موقف “حزب الله” من طرح ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية إحراجاً عن موقف ” التيار الوطني الحر”، أو “القوات اللبنانية”، او الكتائب او المستقلين، وإن يكن لكل من هؤلاء أسبابه وحيثياته في مقاربة هذا الطرح، قبولاً أو رفضاً.
الواقع أن إرباك الحزب لا يأتي من شخصية فرنجيه أو موقعه السياسي أو موقفه من المقاومة، وهذه كلها تصب في إطار التزام زعيم “المردة” خط المقاومة ونهجها، كما أنه لم يفاجأ بهذا الطرح الذي انبثق من اللقاء الباريسي بين فرنجيه وزعيم “المستقبل” الرئيس سعد الحريري، بما ان اللقاء لم يتم من خارج درايته والتنسيق معه، بل الإرباك ناجم عن الأثمان التي فهم ان الحريري اشترطها للسير بهذا الطرح، كبند من رزمة متكاملة تشكل في مجملها التسوية السياسية المقترحة.
بدا واضحاً منذ طرح السيد حسن نصرالله التسوية الشاملة القائمة على أربعة أعمدة: الرئاسة والحكومة والمجلس النيابي وقانون الانتخاب، أن الرجل الأول في تحالف ٨ آذار قرر كسر حلقة المراوحة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ شغور سدة الرئاسة الأولى، والارتقاء في الحوار مع “تيار المستقبل” الى مستوى آخر بعدما سدت كل المنافذ نحو إنجاز الاستحقاق الرئاسي، في ظل تمسك العماد ميشال عون بترشحه، ورفض فريقه السياسي البحث في أي مرشح آخر.
لم يكن أمام الحريري خيار غير ملاقاة السيد في المناورة الجديدة. فهو لا يمكنه أن يعود الى بيروت لهذه الغاية فقط، كما لا يمكن السيد ان يذهب اليه للغاية عينها، فكان الزعيم الشمالي صلة الحوار المباشر الذي فتحت أبوابه بعد مبادرة نصرالله.
كان الحريري صادقاً وجدياً في طرحه ترشيح فرنجيه رغم كل المحاذير المترتبة على هذا الطرح، والتي يدركها الحريري جيداً، ولا سيما أنها تنال من علاقته الوثيقة مع حليفه المسيحي الاقوى سمير جعجع.
لكن المطلعين على مجريات اللقاء الباريسي يؤكدون أن هذا القبول لن يكون تسليما بفرنجيه كما يقدم نفسه في سيرته الذاتية السياسية، بل بفرنجيه “معدلاً”، على ما يقول هؤلاء، لئلا تأتي الهزيمة بالشخص والجوهر.
ليست التعديلات التي يطلبها الحريري على سيرة فرنجيه سهلة المنال أو حتى قابلة للحل، خصوصا أن قرار بتها لا يعود حصرا للمرشح الصاعد الى اول لائحة المتنافسين على قصر بعبدا، هي شروط تتطلب قرارا، على “حزب الله” والى جانبه الثنائي الايراني السوري اتخاذه، ويقتضي ضمانات أساسية حيال تورط الحزب في سوريا وعودته الى لبنان، فضلا عن ضمانات تؤكد نجاح التسوية بكل بنودها، ولا سيما في ما يتعلق بالحكومة وإطلاق يد رئيسها خلافا لما يحصل اليوم مع الرئيس تمام سلام، وفي شأن قانون الانتخاب، وهنا يعتقد الحريري ان نجاح عناصر التسوية يمكن ان يشكل تعويضا للحلفاء.
لكن فرنجيه إستبق البحث بتأكيده استحالة تفريطه بأي من التزاماته وثوابته السياسية، بما يشي بأنه غير جاهز لمواكبة المرحلة الانتقالية في سوريا من خارج الأسد.
فهل هذا يعني ان الترشيح سيكون مقرونا بشروط تعجيزية، على الحزب وسوريا دفع أثمانها لإيصال فرنجيه الى بعبدا؟
وهذا الواقع يطرح المزيد من الأسئلة عن وضع الحلفاء والراعيين الإقليميين، مفادها لماذا تقبل المملكة العربية السعودية بأكبر حليف لـ”حزب الله” وسوريا في لبنان؟ وهل بلغ الضعف بقوى ١٤ آذار حد القبول بمثل هذه الهزيمة لهذا الفريق؟
يؤكد المطلعون على مسار الطرح أن الحريري جدي مئة في المئة، وقد أدخل البلاد في مرحلة “سليمان فرنجيه مرشحاً” بعدما طوى هذا الترشيح صفحة عون رئيساً.
وليست إلا أياما قليلة ليتضح الخيط الأبيض من الأسود، ذلك ان “حزب الله” لن يطول به الوقت قبل ان يقول كلمته.