تصر غالبية السياسيين على أن “حزب الله” لن يحرج تحت أي ظرف نتيجة حشره من أجل اختيار رئيس جديد للجمهورية، في ضوء وجود مرشحين وحيدين من حلفائه المباشرين، كما لن يحرج بالدينامية التي أطلقها الرئيس سعد الحريري منذ عودته في 14 شباط الماضي، ويستكملها على نحو شبه يومي انطلاقا من اقتناع بأن الحزب لا يعطي انطباعا أن أي أمر سياسي قد يحرجه في الداخل او انه يصم أذنيه عن اي ضغط محلي مهما بلغ، ولا تخفى المرونة التي عبر عنها الحريري في أي من المسائل التي تتصل بالحزب في الداخل، بمعنى عدم اخافته او استفزازه وافتعال تصعيد او رفض ما يقوله الحريري على هذا الاساس. فأن تكون الكرة في ملعبه يعني انه يمسك بالرئاسة اللبنانية ويتحكم في لبنان، وهذا لا يضيره على المستوى المتصل به مباشرة. وقد ساهمت المواقف التي اتخذتها دول الخليج أخيرا في تعزيز الانطباع ان الحزب هو من يسيطر على القرار السياسي اللبناني، بما يفترض أنه يقوي موقعه، لكن يحمله مسؤولية ما يصيب لبنان أيضا على كل الصعد، ومن بينها ما طاوله من إجراءات اخيرا يتحمل الحزب مسؤولية تدفيعها للبنان وللشعب اللبناني. لذلك فإن الامر قد يكون مختلفا على مستوى الرأي العام اللبناني، بمن في ذلك الحلفاء الذين لا يملكون أدنى فكرة عما يريده الحزب والى متى يستمر مسترهنا الموقع المسيحي الاول في البلد، ولأي هدف بعدما حصل على ترشيح اثنين من رموزه للرئاسة الأولى. فإذا كانت المسألة ربطا بالتطورات السورية وانتصارات يحققها هناك، فأي مرشح آخر سيختار غير أحد حليفيه، ام ان هناك سعيا الى تغيير في التركيبة اللبنانية؟. وقد لفت مصادر ديبلوماسية أجنبية عدم دعم الحزب حليفه الزعيم العوني في أي من مطالبه التي يمكن أن تشكل انقلابا على الدستور في المرحلة الراهنة، كإجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية أو انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة أو إجراء استفتاء، علما أن ثمة تساؤلات جدية يثيرها استمرار سعي العماد عون الى البحث عن الظهر في منتصف الليل، نظرا الى أن الاقتراحات التي يثيرها تتطلب توافقا، كموضوع دعم انتخابه للرئاسة، فيما أثبت الفشل الهائل في إيجاد حل لموضوع النفايات طيلة أشهر، استحالة طرح بحث جدي يتناول أي مسألة جوهرية دستورية او قانونية، لحتمية استغراقها سنوات في ظل ما يشهده البلد، والذي لا يقتصر على الخلافات المحلية الضيقة فحسب. وتاليا، فإن السؤال هو ماذا ينتظر الحزب في سوريا من أجل أن يفك أسر الرئاسة الاولى أو أن فك هذا الاسترهان مرتبط بإيران كما ترى المصادر الديبلوماسية، بحيث أن المساومة التي ستجريها ايران حول موقع الرئاسة قد لا يرتبط بلبنان بل بحصولها على أثمان في أي مكان آخر في المنطقة أو خارجها. وترجح المصادر بعد التصعيد الاخير للامين العام للحزب السيد نصرالله، والمستمر منذ ما يقارب السنة في موضوع اليمن، أن ثمة ما طرأ على موقف الحوثيين في اليمن بناء على المساعي الجارية منذ بعض الوقت من أجل الهدنة، فمفاوضات لإنهاء الحرب هناك. وسواء كان الامين العام للحزب في اجواء ما يجري وكان محفزا في هذا الاتجاه عبر مواقفه، او لم يكن، فإن لبنان دفع وسيدفع اثمانا غالية من اجل قضية آيلة الى مساع جدية لطيها.
وقد أثار الرئيس الحريري الاهتمام بعد تأكيده إجراء الانتخابات قريبا، في تكتيك واضح بالتنسيق ربما مع الرئيس نبيه بري من اجل إشاعة أجواء ايجابية في البلد منعا لانهيار الوضعين الاقتصادي والمالي ومنعا للمزيد من التوتر السياسي على خلفية التطورات الأخيرة. ويهمّ المراقبين أن يعرفوا ما سيكون رد الحزب على المواقف التي أعلنها الحريري والتي لا يمكن تجاوزها او تجاهلها كأنها لم تكن. ففي موضوع الرئاسة او تأكيد دعم استمرار النائب سليمان فرنجية، لم يكن ثمة جديد باعتبار أنه سبق للحريري أن أعلنه خلال الاسابيع الماضية. أما ما يتصل بالحزب تحديدا فإن مواقف الحريري أتت في ظل تضييق سعودي وخليجي لا سابق له، طاول لبنان ولم يطاول الحزب فحسب، في ظل غضب لدى الرأي العام اللبناني من “عبثية” الحزب ازاء عدم مراعاة مصالح لبنان واللبنانيين. فما قاله الحريري يستمر في الايجابية التي دأب على انتهاجها تحت شعار حماية البلد، وديناميته الأخيرة تعطيه دفعا في تسويق هذا الواقع لدى اللبنانيين كما لدى الخارج أيضا. وفي هذه النقطة ستكون الكرة في ملعب الحزب كذلك، خصوصا متى كان عدد من حلفائه على تواصل مع الحريري الى حد الثقة بنياته وإرادته إنقاذ لبنان. فالصفحة التي فتحت بين الحريري والنائب فرنجية لن تقفل غدا حتى لو لم تؤد الى انتخاب فرنجية وفق ما نقل عنه زواره، وهو تحدث بثقة عن نيات الحريري الحقيقية من أجل البلد، وكذلك التواصل على مستوى السنّة في 8 آذار مع الحريري، لاعتبارات مختلفة، سواء تعلقت بالانتخابات البلدية أو بسواها. كما أن وجود رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط على خط واحد مع الحريري يوسع مروحة منطق ويغلبه قسرا على منطق آخر فقد الكثير من وهجه، خصوصا في ضوء ما بات مكلفا للبنان على مستوى الفراغ الرئاسي الذي يتحمل الحزب مسؤوليته.