IMLebanon

مبادرة الحريري الرئاسية دخلت أسبوعها الثالث: قوة الدفع الداخلي والخارجي تآكلت… فماذا بعد ؟

الفترة التي انقضت على اطلاق المبادرة الصادمة في الفضاء السياسي اللبناني كانت كافية لجلاء غوامضها وفتح مغاليقها في الاوساط السياسية وتحديداً في معسكر قوى 8 آذار.

في اسبوعها الثالث آلت مبادرة الرئيس سعد الحريري الرئاسية الى مآل يشبه حال الفرملة التي تحتاج فعليا الى اعادة النظر جذريا في العرض من اساسه، واتضح في الوقت عينه ان هذه المبادرة ليست كما روّج لها متبنوها انها قضاء لا يرد وانها آتية وهي مشحونة بقوة دفع خارجية تجعل من الاستحالة بمكان الوقوف في وجهها، وهو واقع جعل الكثير من المشاركين في انتاج خيوط هذه المبادرة ومنتظري امرارها على عجل، وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ينزلون بقضّهم وقضيضهم الى ساح الدفاع الشرس عنها وتسويغها بعدما آثروا الاعتصام بالصمت لدى اطلاقها لكي لا يظهروا انهم احد الثلاثة الطابخين لها في ليل.

الفترة الزمنية التي انقضت على اطلاق هذه المبادرة الصادمة في الفضاء السياسي اللبناني كانت كافية لجلاء غوامضها وفتح كل مغاليقها في الاوساط السياسية، وتحديدا في معسكر قوى 8 اذار. ثمة وقت الآن للتوقف ملياً وبعقل بارد امام ما شاب المبادرة من الفها الى يائها من ثغر صارت لاحقا بمثابة نقاط ضعف مكنت المرتابين منها والمعارضين لها من استنفاد قوة دفعها الى درجة انه تبين لدى هذه الاوساط ان هناك عملية “بلف” اريد لها ان تكون معبرا عاجلا لإمرار المبادرة بعجرها وبجرها انطلاقا من انها مبادرة تحوز كل شروط المبادرة الوطنية، وانها اتت لمصلحة كل الاطراف، وانها استطراداً فرصة لا تعوض وجائزة غير منتظرة لفريق 8 آذار كونها تأتي برئيس من لدنه، وهي في المقابل فرصة لفريق 14 اذار اذ تمكنه من جني الكثير من الثمار ولكن بعد حين.

وانطلاقا من ذلك كله اتضح لهذه الاوساط الاتي:

– ان المبادرة لم تقدّم كما ينبغي بشكل متكامل وموضوعي وشفاف لكي يبنى على الشيء مقتضاه مما يسمح بمراقبتها ومحاكمتها بشكل منهجي، بل قدمت في مناخات مرتبكة واجواء غامضة اذ تعمّد مطلقوها التعتيم على كثير من جوانبها وابعادها متكئين ضمنا على امرين:

الاول، تعطّش الساحة السياسية لانتخاب رئيس بعد تردي الاوضاع الى درجة الاهتراء وعجز الحكومة عن القيام بابسط واجباتها وهي ادارة الازمة.

الثاني، مسألة الاربعة الكبار المرشحين للرئاسة والذين حظوا ببركة بكركي وهو امر يرى عضو” تكتل التغيير والاصلاح” الوزير السابق سليم جريصاتي انه استغل بشكل خاطىء، فجوهر الفكرة ان المطلوب ليس انتقاء واحد من هؤلاء الاربعة فتكون بذلك عملية استفراد، بل ان يتم تبني احدهم عبر عملية تراكمية منهجية، وثمة فارق بين الاستفراد والتبني الموضوعي المنهجي التراكمي.

– العرض الرئاسي لم يتم اخراجه من الغرف الموصدة الى الضوء بطريقة طبيعية بل سلك، كما تبين لاحقا، قنوات التسريب الاعلامي ولم يعرف بالضبط من بادر الى التسريب وهل قصد منه حرق الطبخة وضرب العرض برمته وهو في مهده، ام ان الطابخين لم يجدوا وسيلة انجع لاشهار عرضهم وبالتالي جعله امرا واقعا وصاعقا يربك الجميع ويخلط كل الاوراق؟

– عناصر الطبخة في المبادرة متناقضة تماما ويشوبها الكثير من الالتباسات، فهي قدمت على اساس انها مبادرة متكاملة وان الجميع وضعوا فيها نكهاتهم ليقال لاحقا انها متكاملة النكهات ليتبين بعد حين انها غير ذلك وانها لا تحظى بموافقة كل الداخل ولم تنل كل الدفع الخارجي المطلوب، لا سيما بعدما تبين ان لا تقاطع ايرانيا – سعوديا على اسنادها خصوصا بعد بروز معطيات تؤكد احتدام الصراع بين الجانبين وبعدما اتضح ان لقاء وزيري خارجية البلدين على هامش قمة المناخ في باريس لم يكن بمواصفات حل التناقض بينهما على مستوى الساحة اللبنانية.

وعليه، وبعد مرور كل هذه الفترة الزمنية على مبادرة الحريري، فإن السؤال المطروح هو: ما الذي اثبتته الوقائع وما الذي كشفت عنه مجريات التطورات الداخلية المتسارعة والمتتالية حيالها؟

امور عدة ياْتي في مقدمها:

الرهان على جعل المعترضين يؤخذون على حين غرة بالحدث الصادم ويصيرون امام امر واقع يصعب عليهم معه الاعتراض والمواجهة، تبين انه رهان خائب.

– ان الرهان على امكان تطويع المعترضين ان “بالمونة ” او باتباع اسلوب الترغيب والاغراء او بالقول ان هامش المناورة امامهم ضيق جدا الى درجة انعدام الخيارات، ظهر انه رهان واه جدا على ضفتي الاصطفاف السياسي الحالي.فعلى سبيل المثال لم تخرج كل التطورات “حزب الله “عن صمته المدوي والمعبر ولم تخفض من منسوب اعتراض العماد ميشال عون، وان بقاءهما على موقفيهما سيصعب على المعنيين دعوة مجلس النواب الى جلسة انتخاب.

– حتى على مستوى 14 اذار، تبين لاحقا ان اعتراض رئيس حزب “القوات اللبنانية” امر لا يمكن الاستهانة به.

– وعلى مستوى الشارع المسيحي بكل اطيافه السياسية وتلاوينه الحزبية، لم يكن بالامكان اطلاقا ان يتقبل فكرة ان يسمى الرئيس المسيحي على هذا النحو ويتم اخراجه بهذا الشكل الى درجة ان البطريرك الماروني الذي ابدى استهلالا ترحيبا بالمبادرة عاد فأطلق لاحقا خطابا مختلفا عدّ تراجعا.

– الرهان على عامل الوقت لم يكن ايضا في محله، فالوقت لم يكن اطلاقا لمصلحة المتحمسين للمبادرة بل زاد في عناد المعاندين وفي ارتياب المرتابين وكان ايضا سببا في تآكل ما قيل انه قوة دفع خارجية.

– سقوط الرهان على امرار المبادرة من خلال امرين: الاول اطلاقها من الرئيس الحريري ليكون ذلك بمثابة تغطية على قبوله برئيس قريب من دمشق. والثاني الامل في ان يتلقفها فريق 8 اذار على اساس انها جائزة ترضية له كونها امنت الاتيان برئيس من لدنه.

إنها اذاً باختصار مبادرة الرهانات الخاطئة والمتعجلة التي انتهت الى فرملة اندفاعتها.

حيال ذلك ما هي الاحتمالات؟ محليا استنفدت المبادرة قوة دفعها، واقليميا تشير كل الدلائل الى انها لا تحظى بالمطلوب. وعليه فإن المطلوب اعادة النظر والاعتراف بوجود عقبات جدية عنيدة تحتاج الى قواعد لعبة جديدة ومقاربات مختلفة تأخذ في الاعتبار احتمال العودة عن المبادرة برمتها، الا اذا كان المطلوب اساسا انتاج قوة عصف غايتها الاطاحة بالمعادلات والوقائع وخلط الاوراق لاغير.