IMLebanon

الحريري حامي المناصفة من طعنات المطالبين بها

يبدو أن نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في بيروت ستثير نقاشاً سياسياً أكبر بكثير من ذاك الذي شهدته الحملات الانتخابية قبل الثامن من أيار. 

وإذا كان التصويت السّني في المدينة أكّد المؤكّد لجهة رسوخ زعامة الرئيس سعد الحريري، ورسوخ الهوية السياسية للعاصمة التي لم تَحِدْ عنها منذ مرحلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإن التصويت المسيحي، وتحديداً في الدائرة الأولى من بيروت، أثار أسئلة لا تُحصى ولا تُعدّ.

ذلك أن النتائج التي برزت في هذه الدائرة أظهرت تصويتاً مسيحياً عالياً لصالح اللائحة المنافسة للائحة «البيارتة» رغم دعم ومشاركة كل القوى والأحزاب المسيحية في اللائحة الأخيرة، أي «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب اللبنانية» وحزب «الطاشناق« ووزير السياحة ميشال فرعون.

وإذا كان حزب «الطاشناق» أظهر التزاماً كاملاً وواضحاً بالتصويت لـ»البيارتة» وكذلك الوزير فرعون فإن السؤال الذي طرح نفسه بعد انتهاء عمليات الفرز: أين هي أصوات الأحزاب المسيحية الأخرى؟ وكيف نالت لائحة «البيارتة» النسبة الأدنى من الأصوات في هذه الدائرة؟

أما الإجابة عن هذا السؤال فلا يمكن أن تكون سوى واحدة من إثنتين: 

– إما أن بعض الأحزاب المسيحية لم يلتزم بالتحالف الذي قامت على أساسه اللائحة، وهذا أمر لا يليق بصاحبه سواء كان حليفاً أو غير حليف.

– أو أن حجم الكتل الانتخابية لهذه القوى الحزبية لا يتطابق مع ما طالما ادّعته وصولاً الى حدّ إعلانها أنها تمثّل نسبة 86 بالمئة من أصوات المسيحيين بعد تحالف معراب.

أما السؤال الأهم في السياسة فيبقى: كيف يدّعي معظم هذه القوى الحزبية تمسّكهم بـ»المناصفة الحقيقية» وهم لم يصوّتوا لها، في وقت بدا الرئيس الحريري أحرص على هذه المناصفة منهم، بدليل نتائج التصويت في الدائرتين الثانية والثالثة من بيروت؟

الجواب ببساطة هو أن بعض الأحزاب المسيحية يطلق شعارات، مثل التمسّك بالمناصفة، فقط من أجل الاستهلاك السياسي أو الانتخابي في معرض «التخويف» من الآخر أو استثارة العصبيات ضدّه لتحسين مواقعه الشعبية لدى المسيحيين، في إطار المنافسة السياسية المستمرة بين هذه القوى، أو حروب «الإلغاء» التي لم تتوقّف (سياسياً) منذ العام 1989. أما واقع الحال فإن الحريص فعلياً على هذه المناصفة هو الرئيس الحريري وجمهوره الذي أثبت التزامه بهذه الثابتة رغم الضجيج المذهبي والطائفي الذي يُحاصر لبنان والمنطقة.

ورغم أن بعض اللوائح الانتخابية البلدية في بيروت شُكّلت على قاعدة الديموقراطية العددية، أي ترشيح أعضاء مسلمين نسبة الى الحجم الانتخابي للمسلمين في العاصمة وآخرين مسيحيين وفق المقياس نفسه، ورغم الانتقادات التي وُجّهت الى الرئيس الحريري من بعض جمهوره بسبب تحالفه مع قوى مسيحية ليست حليفة أصلاً، تمسّك بهذا التحالف العريض مع الحلفاء المسيحيين وغير الحلفاء حرصاً منه على ترسيخ التنوّع في العاصمة من جهة، والمناصفة من جهة ثانية؛ وأظهرت النتائج أن من كان يزايد إعلامياً في الحرص على المناصفة كان أبعد من يكون عن الالتزام بها، فيما أثبت الحريري، ومعه جمهوره، أن المناصفة بالنسبة إليه ليست مجرّد شعار وإنما خيار، وأنه متمسّك بـ»ديموقراطية المناصفة» بدلاً من ديموقراطية العدد، مترجماً بذلك شعار الرئيس رفيق الحريري «وقف العدّ».

وبذلك أثبت سعد الحريري قدرته على إقران القول بالفعل، وإيمانه الراسخ بالصيغة اللبنانية وبالطائف، رغم أن الأخير حَصَر المناصفة بمجلس النواب ومجلس الوزراء والموظّفين من الفئة الأولى. أي أن الحريري ضمّ بلدية العاصمة، أكبر بلدية في لبنان، الى لائحة المؤسسات التي تخضع للمناصفة في الدستور. فيما أثبت بعض القوى الحزبية المسيحية عدم التزامه بالشعارات التي يطلقها من جهة، وعدم قدرته من جهة ثانية على تمثيل حتى خمسين بالمئة من المسيحيين، لا بل جاءت نسبة الـ86 بالمئة لصالح اللائحة المنافسة في الدائرة الأولى.