النشاز «الأزرق» أقل كلفة من شبح «الدواعش»
الحريري يحمي خيمة الحوار من «النيران الصديقة»
لا حاجة ليسمع نهاد المشنوق «عظة» الرئيس فؤاد السنيورة الانتقادية لأداء «حزب الله» كي يستدرك أنّ طريقه ليست مزروعة بالورود، وكي يلمس أنّ «الجمــهور الأزرق» لا يعوّل كثيراً على المائدة السداسية. ولا ضرورة لمن يبلغ سمير الجسر بما «أفتاه» زميله أحمد فتفت عن «مضار» الجلوس مع «المقاتلين الصفر»…
فـ «فرسان الحوار» الثلاثة يدركون جيداً أنّ ما تفتعله أيديهم ليس مطلباً شعبياً ولن يجد له مصفقون في «البيئة المستقبلية»، ومع ذلك يحمل هؤلاء «العكاز» ليطرقوا من جديد أبواب عين التينة لاستكمال درب الجلجلة، بإصرار واضح من سعد الحريري، وفق معادلة براغماتية تقول: «داعش» وراءنا، و «حزب الله» أمامنا، فلا مفرّ من الحوار…
لا يخشى هؤلاء من ضربات «ذوي القربى» التي تطالهم كلما رفع السيد حسن نصر الله سبابته، فطالت الجالسين قبالتهم، طالما أنّ غطاء «الشيخ» يحمي خيمة الحوار ويصونها من قنص «النيران الصديقة»، ولإدراكهم أنّ ما يدلي به الرفاق من على المنابر ما هو إلا لسان الحال الجمهور، ولا يمكن «بلعه» بسهولة. ولا بدّ من تنفيسه في مكان ما…
بالنسبة لـ «المستقبليين»، فإنّ الجمهور الأزرق يتعامل مع الحوار على أنّه مدان إلى أن تثبت براءته، وثمة بعض الغلاة في هذا الفريق ممن يتعاملون معه على أساس أنه مدان حتى لو ثبتت براءته نظراً للتجارب غير المشجعة بين الفريقين وتراكمات الماضي القريب التي تحول دون التئام جرح الثقة.
يعترف هؤلاء أنّ القيادة الحريرية لم تنجح حتى اللحظة في طمأنة ناسها من النتائج الممكن تحصيلها من جلسات النقاش المسائية، ذلك لأنّ بعض رؤوس هذا الفريق غير مقتنعين أصلاً بما يفعله الرفاق في ضيافة الرئيس نبيه بري. وتعليقات السنيورة دندنةٌ تعتبر نموذجاً، حيث ردّ على سؤال أحد «الرفاق» عن مصير الحوار بالقول: «حوار إيه انت يلي جاي تسأل عليه…».
ولهذا، فإنّ التصويب الآتي من جانب نواب «المستقبل» ليس سوى مرآة عما يجول على ألسنة الناس في الشوارع وفي جلساتهم… من دون أن يعني ذلك أنّ هناك توزيعاً للأدوار بين «حمائم الحوار» و «صقور الممانعة»، أو أنه محاولة «خبيثة» للالتفاف على الحوار، ووقف اندفاعته.
ومع ذلك، ثمة من يرسم معادلة واقعية شجعت الحريري على القفز فوق كل الاعتبارات للاستفراد بـ «حزب الله» في جلسات ثنائية وجهاً لوجه، تقوم على الآتي: عملياً، إنّ انعدام الخيارات أمام الفريق المستقبلي هو الذي حمله إلى أحضان حوار صار شرّاً لا بدّ منه، ولا مفر منه، ما دامت «داعش» وأخواتها تقدّم نفسها على أنها البديل، إذ إنّ الاستمرار في حالة الاشتباك السياسي من جانب «تيار المستقبل»، على اعتبار أنّه غير مؤهل وغير قادر وغير راغب بالاشتباك العسكري، سيمنح المشروعية لأي فريق آخر، وتحديداً القوى المتطرفة الإرهابية، لتجنيد نفسها لهذه الوظيفة، وبالتالي فتح أبواب «الجحيم» أمام الداخل اللبناني، ليتحول إلى ساحات عراك متنقلة من شارع إلى آخر.
ولهذا، لم يكن من خيارات كثيرة متاحة أمام «الزرق» وفق ناسهم، إلا طرق نوافذ الحوار، التي حددت وظيفتها بتهدئة السجال، ليس أكثر. وقد أثبتت الجلسات الخمس أنّها تواجه صعوبة كبيرة في الانتقال من بند تخفيف الاحتقان إلى مسائل أكثر جدية، يفترض أنّها في غرفة الانتظار، حيث صار جلياً أنّ بند رئاسة الجمهورية سقط إلى قعر الأولويات، مع تبدل الظروف الإقليمية والدولية التي كان يُعول عليها لتحقيق تقدم ما في هذا الملف.
بالنتيجة، من المستبعد أن يحقق الحوار الثنائي خروقات نوعية في جدار الأزمة اللبنانية في الأيام القليلة المقبــلة، ما دام الحراك في المنطقة مجمدا والاتصالات بـــين قطبَيْه في حال برودة. ولكن هذا لا يعني أبداً أنّ اندفاعته ستخفّ أو سيـــتعرض للقــضم من جانــب أبنائه.
محطتان أساسيتان تنتظران «تيار المستقبل»، 14 شباط و14 آذار، التي يفترض أن «تولّع» الجماهير، حيث ستطلق مكبرات الصوت الحناجر المكبوتة وسيخلى المسرح للمزايدات الخطابية. طبعاً، لن يكون للحوار أي تأثير على نبرة الخطباء، وسيكون من الطبيعي أن يسمع الجمهور الأزرق «شيخهم» مستعيداً خطاب ثوابته حول المحكمة الدولية والمشاركة في القتال السوري وسلاح «حزب الله»… وبعد الانتهاء سيعود «الحواريون» إلى صالون «أبو مصطفى» حتى لو لجأ الحريري إلى السقوف العالية في خطاباته.. فذلك لن يفسد للحوار قضية.
يؤكد «المستقبليون» أنّ ثمة قراراً مركزياً واضحاً: لا للطلاق السياسي مع «حزب الله» ولا للعودة إلى مصطلحات من نوع «الجلوس مع القتلة» أو «رفع السواتر الترابية»… مهما اشتكت الكتلة النيابية وبكى أعضاؤها، فسيظل «نشاز الأوركسترا» الزرقاء أقل كلفة من ترك المسرح لـ «الدواعش».