يصلح عهد الشغور أن يكون هناك مَن يدوِّن كتاباً عنه، فتوثيقُه مفيدٌ للحاضر وللمستقبل ليعرف الجيل الحاضر والأجيال الآتية كيف تمَّ إنقاذ الشغور من براثن المُعطِّلين.
يأتي في مقدِّمة المنقِذين الرئيس سعد الحريري:
فعلها ثلاث مرَّات، والثالثة كانت ثابتة:
أيَّد بدايةً ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، لكن حين وَجَدَ أنَّ هذا الترشيحَ يصطدم بحائطٍ مسدودٍ ولا إمكان لخرقه، آثر عدم الوقوف مكتوفَ اليدين، كما فعل الجميع، ففتح مساراً جديداً تمثَّل في ترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه، كان ذلك قبل عامٍ تماماً، وكان عمرُ الشغور قد بلغ عاماً ونصفَ عام.
بدوره وصل هذا الترشيح إلى حائطٍ مسدودٍ بدليل أنَّ عمره بلغ العام من دون أيِّ خرق.
مجدداً لم يقف الرئيس الحريري مكتوفَ اليدين بل بادر إلى فتح مسارٍ ثالث هو تأييد ترشيح العماد ميشال عون. هذه المرة الثالثة يبدو أنَّها ثابتة وأنَّ الجلسة السادسة والأربعين ستكون الأخيرة والخاتمة السعيدة لمسارٍ بدأ في أيار 2014 لينتهيَ في تشرين الأول 2016.
في المسارات الثلاثة كان الرئيس الحريري حاضراً، وهو إن دلَّ على شيءٍ فعلى الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى أنَّ الرئيس الحريري دَحَضَ كلَّ المقولات التي كانت تقول إنَّه يريدُ رئيساً ضعيفاً، فها هو يدعمُ ويؤيدُ الأقوياء:
من سمير جعجع إلى سليمان فرنجيه إلى ميشال عون. هكذا يفهمُ سعد الحريري الميثاقية:
إنَّها شراكة الأقوياء الذين بمقدورهم أن يُنقذوا الوطن، فالضعفاء قد يملكون النية لكنَّهم لا يملكون القدرة، وقد مرَّ في تاريخ لبنان رؤساءٌ لم يكونوا أقوياء فلم يستطيعوا تحقيق شيءٍ يُذكَر.
حين يكون الحكَّام أقوياء يستطيعون أن يحققوا الكثير من دون أن يتوقفوا عند قشورٍ أو إلهاءات… يستطيعون أن يلتقطوا نَبَضَ الشارع ليحققوا للناس ما يريدون. ففي موازاة ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة التي تتكرَّر في كلِّ البيانات الوزارية، هناك ثلاثية الناس الذين يريدون من الحكَّام معالجتها وهي الفساد والهدر والرشوة، وهذه الثلاثية متماسكةٌ ومتشابكةٌ ومتداخلةٌ بمعنى أنَّ أيَّ إهمالٍ لضلعٍ من أضلعها الثلاثة سيعرِّضها للفشل، فلا محاربة للفساد من دون وقف الهدر والرشوة، ولا وقف للهدر من دون محاربة الفساد ولا قطع دابر الرشوة من دون إقفال مزراب الهدر.
هنا بيتُ القصيد، يستطيعُ رئيسُ الحكومة العتيد الشيخ سعد الحريري أن يُعلِنَ خطَّته الإلتزام بهذه الثلاثية.
نحن لا نناقشه في ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة فهي شأن السياسيين، نحن نناقشه في ثلاثية الناس التي على أساسها يبقون في البلد أو يهاجرونه.
– حتماً قرَّر مواجهة أخطبوط الفاسدين والهادرين والمُرتشين.
– حتماً قرَّر السير في الإعتدال حتى النهاية، على رغم محاولات كثيرين إخراجه من خانة الإعتدال إلى التطرُّف.
– حتماً قرَّر اعتماد الخلطة العجيبة بين القوة والآدمية والنزاهة في اختيار الوزراء ولا سيَّما وزراء الخدمات.
– حتماً قرَّر اعتماد التوازن في كلِّ خطوةٍ يخطوها.
– حتماً قرَّر اختيار وزراء يعيدون فتح أبواب دول الخليج للبنانيين.
أم ستبقى هذه الأبواب موصدة؟
– حتماً الرئيس سعد الحريري قد اتَّخذ كلَّ هذه القرارات مسبقاً، فما على دولته إلاَّ أن يقدِّم بيانه الوزاري فقط للناس وينال ثقتهم على أساسه، ويترك السياسيين وشأنهم إذ حوَّلوا لبنان وطن الإبداع إلى تركةٍ ثقيلةٍ، بدايتُها النفايات ونهايتُها الفساد، الهدر والرشوة.