على شبكات التواصل الاجتماعي شكلت خطوة الحريري برفعه الغطاء عن وزير عدله خطأ تكتيكياً لسعد الحريري في التوقيت غير المناسب على ابواب ذكرى 14 آذار على حدّ قول مصادر مقربة من تيار المستقبل، فيما تتخبط «ثورة الأرز» بانقساماتها ومشاكلها، كما اعطت الصورة التي وزعها ريفي عقب خروجه من جلسة مجلس الوزراء انطباعاً باستقلالية ريفي وتمسكه بخياراته السياسية لو على حساب ولائه للزعامة الحريرية، واوحت التغريدات المتبادلة بين الحريري وريفي وجزم زعيم المستقبل بان ريفي لا يمثله بان الامور وصلت الى حد القطيعة والخلاف في السياسة. فما حدث في اعقاب جلسة مجلس الوزراء من تفرد واستئثار وزير العدل بالقرار عن مرؤوسيه وقيادة المستقبل اوحى بان المشكلة خرجت عن الاطار السليم وتفاقمت الى حد يصعب ترميمه.
بالطبع هي ليست الحادثة الاولى ولا الاخيرة ربما، لكن موقف الحريري كان الأقسى والأصعب تؤكد المصادر، هي ليست المرة الاولى التي تظهر فيها وجهات نظر خلافية بين زعيم المستقبل وقياداته تؤدي الى فسخ العلاقة في غالب الاحيان او الى الفصل من التيار الأزرق، فتلك كانت حالة خالد الضاهر نائب المستقبل المشاكس الذي انهك الحريري واتعبه بعد ان رفض الانصياع لتوجهات المستقبل الجديدة عندما قرر الحريري ان يصبح اكثر اعتدالاً وان يعود الى الساحة السياسية لمحاربة الارهاب بعد ازمة عرسال ولحماية المؤسسة العسكرية التي كان الضاهر يهاجمها بضراوة، إلا ان ما يحدث اليوم بين الحريري وريفي لا يجوز تشبيهه كثيراً بما جرى الا في الشكل مع الضاهر، إذ لا يجوز ابداً المقارنة او المقاربة بين الشخصيتين، فالضاهر كان اكثر المتهجمين على المؤسسة العسكرية والمسيحيين فيما ريفي «ابن تلك المؤسسة» ومهما شطح في انتقاداته وسخطه في السياسة الا ان التعرض للجيش خط احمر في حساباته تضيف المصادر، وايضاً بسبب الموقع السياسي الذي يشغله ريفي في وزارة العدل وطبيعة الملفات التي يمسكها باعتباره من الصقور الأساسية في تيار المستقبل.
وهي ايضاً ليست المرة الأولى التي تحصل مناوشات بين ريفي والحريري فمن يراقب تسلسل الأحداث والمواقف يتضح له ان ريفي في كل القضايا والمسائل بقي «يغرد» وحده منفرداً وعلى طريقته خارج سراب المستقبل بحسب المصادر، والواضح ان وزير العدل لم يستوعب تموضعات الحريري الجديدة وهو لم يخرج بعد من حالة الاصطفافات السياسية الماضية وصراع 8 و14 آذار، فهو كان المعارض دائماً لطاولة الحوار بين حزب الله والمستقبل وجدواها، والذي ينتقد في الجلسات المغلقة وفي العلن ترشيح الوزير سليمان فرنجية من قبل المستقبل، فريفي كان السباق في ذكرى استشهاد الرائد وسام عيد بما لها من رمزية لدى جمهور 14 آذاربرفض ترشيح احداً من 8 آذار، وبمعنى اوضح فان ريفي عبر عما لا يقوله الكثير داخل تيار المستقبل بان ثمة رفضاً مستقبلياً ومن فريق 14 آذار لترشيح شخصية قريبة من النظام السوري وايران، وبان مكوناً اساسياً لدى هذا الفريق لا يهضم هذا الترشيح. فيومها اعتبر تصعيد ريفي مبدئي وفق المصادر، على اعتبار ان وزير العدل لا يمكن ان يتنكر لجزء من جمهوره وتصعيده ضد 8 آذار لاستقطاب الشارع السني وجمعه، لكن الواضح ان موقف وزير العدل لم يتم هضمه في باريس لدى زعيم المستقبل الذي يبدو مصراً على خياره بانه افضل الممكن حالياً وعلى الجميع القبول به والا…
ويروي العارفون في العلاقة ان الحريري عاتب ريفي في اكثر من مناسبة على حدة مواقفه وتجاوزاته الخطوط المرسومة من قيادة المستقبل بدون جدوى فكان لا بد للحريري من قرار لحسم الجدل ولعدم فتح المجال امام الآخرين لسلوك الطريق نفسه بعدما كبر ريفي «حجر رميته» تجاه الحريري ليصيبه مقتلاً بالاستهتار بدماء الشهداء، لكن موقف الحريري الموجع والذي رفع فيه الغطاء التمثيلي عن وزير العدل له بنظر كثيرين حسابات داخلية ايضاً داخل المستقبل، فسبق لأحمد الحريري ان صرح ابان التسوية الباريسية ان لا صوت يعلو فوق صوت الشيخ، وهذه الرسالة كانت موجهة بالدرجة الاولى الى ريفي ولمن يدور في فلكه من قيادات المستقبل على قرار ترشيح فرنجية، ومن التراكمات والمسببات ايضاً ان ريفي كبر حجمه داخل المستقبل وبات يشكل رقماً صعباً في المستقبل وفي المعادلة الطرابلسية وعلى الساحة السنية لا يجوز السماح بنموها اكثر، فالقول الذي اصبح رائجاً في طرابلس وعلى الساحة الطرابلسية بان اي مواجهة انتخابية افتراضية بين الحريري وريفي في طرابلس فان وزير العدل سيفوز بها على الأرجح على زعيم المستقبل نظراً لتزايد شعبيته في المناطق السنية، ولعل كلام احمد الحريري قبل فترة كان الرسالة المعبرة عن اسكات اصوات تنشز على الحريري واداء المستقبل خصوصاً ان زعيم المستقبل يواجه مشكلة تسييل ترشيح فرنجية في صفوف 14 آذار وعراقيل حزب الله والتزامه بميشال عون ويرغب بالغاء التشويش على مبادرته وخطوته.
يبقى ان توقيت الرد على ريفي لاخضاعه قبل 14 شباط ليس بريئاً تقول المصادر، ومعناه ان الحريري لن يساوم او يسمح بتخطيه مهما كانت الاعتبارات، وان حالة ريفي تفاقمت داخل المستقبل مما استدعى الحسم، وهي رسالة معممة على الجميع لعدم تجاوز قرار القيادة، خصوصاً ان سعد الحريري لا تنقصه ازمات داخلية تضاف على ازمة ترشيحه لسليمان فرنجية، او مشاكله المادية المتفاقمة او علاقته المتوترة مع مسيحيي 14 آذار ولا سيما معراب التي كانت تشكل الحديقة المسيحية الخلفية للمستقبل.