بعبدا لا تحبّذ توزير مراد أو كرامي.. وتفضّل الصلح
استغرق تأليف حكومة الحريري الأولى في العام 2009 أربعة أشهر ونصفاً ليخرج بحصة سنية أعطت المالية لريا الحسن والبيئة لمحمد رحال والاقتصاد لمحمد الصفدي، فيما ذهبت الحقيبة الرابعة (عدنان القصار) الى ميشال سليمان لكن بمباركة الحريري.
أما حكومة تمام سلام التي احتاجت إلى عشرة أشهر وعشرة أيام لكي تولد، فقد مكّنت الحريري من توزيع حقائبها «عن بُعد»، لينال غلّة دسمة فيها أتت بنهاد المشنوق على رأس الداخلية ورشيد درباس في الشؤون وأجلست أشرف ريفي في العدلية في عزّ الاشتباك الإقليمي والداخلي، فيما كان محمد المشنوق حصة يتيمة لرئيس الحكومة.
في حكومة سلام، لم يرَ ريفي نفسه إلا وزيراً للداخلية بحكم خبرته كمدير عام سابق لقوى الأمن الداخلي، وزاد من اعتداده بنفسه أنه كان مرشحاً أيضاً لرئاسة الحكومة. طلب حقيبة الداخلية من الرئيس الحريري، لكن فيتو «حزب الله» كان أقوى. ربما شكّل ذلك أول مؤشر من مؤشرات التباعد بين الحريري وريفي الممتعض من رضوخ الأخير لضغوط وزير محسوب عليه وحقيبة هي من حصّة «المستقبل» المفترض أن يفرض الاسم الذي يختاره لها.
حاول الحريري وسلام إقناع ريفي بوزارة الشؤون الاجتماعية، لكنّ رفضه كان حاسماً. في اللحظة الأخيرة، تمّ تعديل الحقائب، فتولّى وزارة العدل وأسندت وزارة الشؤون لدرباس.
في اللحظة التي تعلن فيها حكومة الحريري الثانية، يكون رئيس «تيار المستقبل» قد ارتاح نهائياً من عبء ريفي السياسي عليه، لكن الانتخابات الفرعية (على المقعد الأرثوذكسي في طرابلس)، إن حصلت، ثم الانتخابات النيابية ستبقي «اللواء» همّاً مفتوحاً.
منذ العام 2005 لا يزال الحريري الأقدر، على التحكم بالحضور السني في الحكومات. الاستثناء الوحيد هو حكومة نجيب ميقاتي الثلاثينية في العام 2011 التي أتت للمرة الأولى بسبعة وزراء سنة بعد تخلّي رئيس مجلس النواب نبيه بري عن مقعد شيعي لمصلحة فيصل كرامي.
لا أحد يستطيع التكهّن اليوم بالمدّة التي يمكن أن تستغرقها عملية تأليف حكومة الحريري الثانية، لكن حصته فيها حجزت باكراً بالأسماء والحقائب مع إمكان إجراء تعديل بسيط في اللحظة الأخيرة على صعيد تبادل الحقائب، طالما أن الرئيس المكلف يرفض مغادرة مربع حكومة الـ 24 وزيراً حتى الآن.
من أصل خمسة وزراء، في حكومة من 24 وزيراً، سيُسمّى وزير سنّي من حصة رئيس الجمهورية في إطار معادلة المقايضة، المرفوضة شيعياً، والتي ستمكّن غطاس خوري من حمل لقب معالي الوزير للمرة الأولى منذ سطوع نجمه قبل 11 عاماً.
في بعبدا، وخلافاً لما تمّ تسريبه، لم تتمّ مفاتحة لا فيصل كرامي ولا عبد الرحيم مراد بموضوع التوزير من جانب رئيس الجمهورية، مع العلم أن الاثنين زارا عون في قصر بعبدا، وسبقتهما «تمنيات» من الحليف المشترك، لكن يبدو أن «الجنرال» لن يأخذ بها.. وثمّة همس واضح باسم الوزيرة ليلى الصلح من حصة رئيس الجمهورية.
الأول في فريق رئيس الحكومة، هو نهاد المشنوق الوزير الوحيد الذي لم يزجّ باسمه في بازار الحقائب والأسماء، حتى من قبل التكليف. بعد حسم اسم المشنوق لوزارة الداخلية (وبحماسة دولية وعربية له)، يبدو محمد كبارة الثاني في لائحة «المحسومين» سنياً بعد تلقيه «تأكيدات»، كما يقول، من الحريري بتوزيره.
«أبو العبد» هو الوحيد بين نواب الشمال الذي احتفظ بالنمرة الزرقاء منذ العام 1992، فاستمر نائباً لـمدة 24 عاماً. مدّة كافية ليشكّل رأس حربة في معركة ردّ الاعتبار لـ «تيار المستقبل» في الانتخابات النيابية المقبلة، ولو على حساب «رأس» أشرف ريفي!
حتى الآن، يبدو أن الشؤون الاجتماعية من نصيب «ابو العبد» صاحب الحيثية الشعبية التي تضيف لـ «التيار الازرق». الوزير الثاني من الشمال هو على الأرجح معين المرعبي لضرورات المعركة النيابية المقبلة.
المرعبي «الشرس» المتفلّت من عباءة «المستقبل»، الذي سبق له أن طالب بإسقاط حكومة ميقاتي من أمام منزل الأخير في الميناء ما استدعى استنفاراً من بعض نواب ومسؤولي «المستقبل» ضده، والذي سبق له أن لوحّ بتقديم استقالته من مجلس النواب، ليخلص الى الطلب من تمام سلام الاستقالة تحت وطأة الأزمات التي عصفت بحكومته، هو مشروع وزير محتمَل لحقيبة الزراعة أو البيئة، وهي الحقيبة التي سبق ان دعا محمد المشنوق الى التخلّي عنها وتسليم مفاتيحها «والإتيان بخبير مكانه يستطيع أن يحلّ أزمة النفايات»…
وفق هذه التوليفة الحريرية، سيتمثّل البقاع فقط بالنائب جمال الجراح المرشح لنيل حقيبة الاتصالات في حكومة الثلاثين.