عندما تنزع «التسوية» سلاح التحريض من «تيار المستقبل»
الحريري ينال «ثقة معلبة».. لـ«حكومة ربط نزاع»
لم يكن الرئيس سعد الحريري بحاجة الى الكثير من الكلام للرد على مداخلات النواب في جلسة اليوم الواحد لمناقشة البيان الوزاري لحكومة العهد الأولى، فالثقة بالنسبة له كانت مجرد «ديكور» في ظل التسوية الشاملة التي بدأت بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وبتكليفه تشكيل الحكومة، مرورا بالتأليف السريع قياسا على تأليف الحكومات السابقة، وصولا الى نيلها ثقة معلبة سياسيا ونيابيا في 24 سـاعة.
لم يحصل منذ عام 1992 أن حصلت حكومة على ثقة مجلس النواب في يوم واحد، وفي أقل عدد من مداخلات النواب، وحتى في عز الحقبة السورية، بقيت الديموقراطية حاضرة ولو من حيث الشكل، من خلال إعطاء الحق لكل النواب في مناقشة البيان الوزاري وطرح الهواجس، قبل أن يصار الى التصويت على منح الثقة.
هذا الواقع يشير الى أن «الارتجال» كان سيد الموقف، وأن العهد، رئاسة وحكومة وحلفاء ومستفيدين، يستعجل انطلاقة حكمه بأي ثمن، بعدما قدم كل طرف ما أمكنه من تنازلات ضربت عرض الحائط بالشعارات السابقة، وانقلبت على كثير من المواقف السياسية.
وفي الوقت الذي ينام فيه كل طرف على حرير المكاسب السياسية التي حققها في الحكومة، يبدو أن الحريري الذي عاد الى السرايا الكبيرة بعد طول انتظار، ملتزم بمناخ التسوية حتى العظم، وقد ظهر ذلك جليا في رده على مداخلات النواب، حيث حرص على التناغم مع رئيس الجمهورية ميشال عون في الدعوة الى استقلالية القضاء وعدم التشهير بالقضاة، إضافة الى التشديد على ضرورة مكافحة الفساد من دون أن يغوص في كيفية هذه المكافحة، أو الاشارة الى مكامن هذا الفساد أو من يقف خلفه ويحميه، محملا المسؤولية الى «الورقة والقلم والكربون» والى عدم اعتماد المكننة في إدارات الدولة، علما أن بعض الادارات التي طالتها أرقام النائب حسن فضل الله لا تشكو من مكننة نهائيا!
لكن اللافت للانتباه في رد الحريري هو تعاطيه الهادئ مع قضية سلاح «حزب الله» وإعطاؤها صفة «الخلافية» وترحيلها الى أن يتم التوافق على الاستراتيجية الدفاعية، بينما لم يكد ينسى اللبنانيون معاركه الطاحنة سياسيا وانتخابيا ضد هذا السلاح ووظائفه، وصولا الى إعلان لاءاته الشهيرة: «لا حكومة.. ولا حوار مع حزب الله ما لم يسلم سلاحه الى الدولة اللبنانية»!
وإذ تدارك الحريري قضية العسكريين المخطوفين الذين سقطوا سهواً من البيان الوزاري الذي أنجز على عجل، حاول إعطاء نفسه انتصارا معنويا بتأكيد الالتزام الجازم والنهائي بالمحكمة الدولية، وبتشديده على إلغاء وثائق الاتصال التي تساهم منذ فترة في غليان الشارع السني.
ويمكن القول إن الحريري يترأس اليوم حكومة ربط نزاع حقيقي بين التيارات السياسية التي تقاسمت حقائبها ومغانمها، الأمر الذي سيجعلها أمام تحديات كبيرة جدا من شأنها أن تجعل رئيسها في وضع لا يحسد عليه، إن لجهة كيفية التعاطي مع وزراء يتطلعون الى خدمة تياراتهم السياسية انتخابيا من خلال حقائبهم، أو لجهة تحقيق هدفه الأساسي من العودة الى السرايا، وهو استعادة الشارع، ووقف التسرب الشعبي من «تيار المستقبل» قبل حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
وتتطلب استعادة الشارع، إسراع الحريري في إعادة ترتيب البيت الأزرق الداخلي، وحل الكثير من الأزمات المستفحلة داخله، لا سيما المالية منها، المتملثة خارجيا بـ «سعودي أوجيه» وداخليا بارتفاع أصوات مئات الموظفين في مؤسسات الحريري وخصوصا الاعلامية، مطالبين رئيسهم، قبل محاربة الفساد والتباهي بدولة القانون، أن يسدد مستحقاتهم المالية ورواتبهم، فضلا عن مواجهته لبعض حالات التمرد داخل تياره، فضلا عن بعض النتائج السلبية للمؤتمر العام الثاني.
أما التحدي الأبرز، فيتمثل في الخطاب الذي سيعتمده الحريري في الانتخابات النيابية المقبلة التي خاض دورتيها في عامي 2005 و2009 تحت شعار دم الشهيد رفيق الحريري، والثأر من النظام السوري، ومواجهة «حزب الله» وسلاحه، في وقت أسقطت فيه التسوية الشاملة للعهد الجديد كل هذه الشعارات، وأطاحت ثورة 14 آذار، وسحبت سلاح التحريض من الحريري.