أكثر من تاريخ جرى تحديده في السابق لإصدار قانون العفو العام، أبرزها عشيّة الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، ومن ثمّ عند تشكيل الحُكومة الحالية التي أدرجت ضُمن بيانها الوزاري بندًا أساسيًا تتعهّد فيه بإنجاز القانون المّذكور، لكنّ خلافات عدّة بعيدة عن الأضواء، أدّت إلى سُقوط كل هذه التواريخ، ومعها الكثير من الوُعود التي أعطيت لذوي المَسجونين والمَحكومين الفارين من وجه العدالة. فهل من أمل بتحريك هذا الملفّ في المُستقبل القريب، وتحديدًا بمُجرّد الإنتهاء من ملفّ المُوازنة الشائك وما يُرافقه من إضرابات وإحتجاجات، أم أنّ الأمور لا تزال تدور في حلقة مُفرغة؟
مصادر مُتابعة لهذا الملفّ لفتت إلى أنّ اللجنة الحُقوقيّة التي كُلّفت النظر في ملفّات العفو العام، وبتحديد جداول مُفصّلة بأسماء الأشخاص الذين سيستفيدون منه، كانت أنهت عملها ورفعت خُلاصاته إلى رئيس الحكومة سعد الحريري قبل أكثر من شهرين. وأضافت أنّ التطوّرات الداخليّة المُتسارعة طغت على هذا الملف، وحالت دون عرضه على مجلس الوزراء، خاصة وأنّ إعتراضات قديمة – جديدة عادت لتظهر من جديد، بشكل هدّد بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، مُشيرة إلى أنّ هذا ما دفع الرئيس الحريري إلى التروّي مرّة أخرى، خشية القيام بأي «خطوة ناقصة» – إذا جاز التعبير، في ملفّ حسّاس جدًا من النواحي الأمنيّة والسياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة، وله أيضًا إمتدادات دَوليّة.
وأوضحت المصادر نفسها أنّ المَسجونين والمطلوبين بجرائم مُرتبطة بالمُخدرات والمَمنوعات على أنواعها، زراعة وترويجًا وتجارة، سيستفيدون بأغلبيّتهم من قانون العفو، علمًا أنّ القسم الأكبر من هؤلاء ينحدرون من بلدات في مُحافظة البقاع، وأضافت المصادر، أنّه جرى تذليل آخر العقبات أمام إستفادة هذه الفئة من قانون العفو، أي أكثر من ثلاثين ألف شخص، بعد إستثناء مجموعة صغيرة من كبار ومن أبرز تُجّار المُخدّرات من لائحة المُستفيدين من العُفو، ليس لما لتجارة المَمنوعات من تأثير سلبي مُدمّر على الشباب اللبناني، إنّما إلتزامًا من جانب الدُولة اللبنانيّة بتعهّدات وبإتفاقات دَوليّة مُرتبطة بمُكافحة عمليّات زراعة وتسويق وتصدير المُخدّرات، حيث أنّ العفو عن كبار الأسماء المطلوبة في هذا الملف سيضع لبنان على لائحة دَوليّة سوداء، وسيتسبّب بضرر كبير للتنسيق القائم بين القوى الأمنيّة اللبنانيّة والسُلطات الأجنبيّة في هذا المجال.
وبالنسبة إلى اللبنانيّين الذين فرّوا إلى الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة بعد تحرير الجنوب في العام 2000، وهو عفو سيشمل نحو خمسة آلاف شخص يُطالب «التيّار الوطني الحُرّ» بعودتهم إلى لبنان، أوضحت المصادر المتابعة لملفّ العفو أنّ العقبات أمام هذه الفئة من المُستفيدين قد ذُلّلت أيضًا، بعد أن جرى إستثناء كل من تعامل مع قوّات الإحتلال الإسرائيلي وتورّط بشكل مُباشر في أعمال أمنيّة ضُدّ اللبنانيّين. وأوضحت أنّ قُسمًا كبيرًا من اللبنانيّين الذين فرّوا من الجنوب عقب التحرير لم يعد يرغب أصلاً بالعودة والإستقرار في لبنان، حيث إنتقل إلى دول غربيّة مُختلفة، ومضى بحياته بشكل طبيعي في الخارج، لكنّ هؤلاء يرغبون بأن تُرفع عنهم تهمة «العَمالة» وكل الإجراءات القانونيّة التي تحرمهم من فرصة زيارة أهاليهم وأقاربهم وبلدهم الأمّ.
وفي ما خصّ المَحكومين والمطلوبين بجرائم بحوادث إطلاق نار، وبمقاومة رجال الأمن بالشدّة والسلاح، وبالقيام بعمليات تزوير وبتسويق «شيكات» بدون رصيد، وغيرها من الجرائم الثانوية والجنح البسيطة وُصولاً إلى الجنايات، فهم سيستفيدون من العفو العام بحسب المصادر عينها التي أشارت إلى أنّ الفئة المُستثناة من العَفو بين هؤلاء هي تلك التي قامت بجرائم قتل مُتعمّدة، أو بتأليف عصابات مُسلّحة، ونفّذت جرائم سطو مُسلّح، مُتسبّبة بوقوع قتلى وجرحى.
وكشفت المصادر المتابعة لملفّ العفو أنّ ما يُبقي هذا الملفّ في الأدراج حتى الساعة، مُرتبط بالمُسجونين «الإسلاميّين» المُتهمين بالقتال ضُدّ الجيش اللبناني، وبالتورّط بجرائم إرهابيّة في أكثر من منطقة لبنانيّة، علمًا أنّ عدد هؤلاء لا يقلّ عن ألف وثلاثمئة شخص. واضافت أنّ رئيس الحكومة يرفض توقيع قانون العفو المُرتقب في حال إستثناء «المُتشدّدين الإسلاميّين» الذين يُحاسبون ضمن قانون الإرهاب الصادر في 1/11/1985، خاصة وأنّه أطلق سلسلة من الوُعود أمام أهالي هؤلاء بقرب حلّ قضيّتهم، وهو يعرف أنّ أيّ إستثناء في هذا الإتجاه سيعود عليه بأضرار شعبيّة جسيمة، لا سيّما بعد أن تمّ تقسيم المُستفيدين من قانون العفو إلى فئات عدّة، لكل منها خلفيّة سياسيّة ومناطقيّة ومذهبيّة! وأضافت المصادر عينها أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» تعهّد في المُقابل أمام أهالي ضحايا شُهداء الجيش الذين قُتلوا في عمليّات أمنيّة ضُدّ هؤلاء «الإسلاميّين» أنّه لن يُساوم على دماء الشُهداء ولوّ أسفر ذلك عن تجميد قانون العفو، في حين يرفض «حزب الله» الإفراج عن أي من الأشخاص الذين تورّطوا في تفجيرات إرهابيّة ضُدّ المدنيّين الآمنين خلال السنوات القليلة الماضية، تحت أي إعتبار.
وخلصت المصادر المتابعة لملفّ العفو أنّ المصير النهائي لهذا القانون، لناحية قرب إقراره أو الإستمرار في تأجيله، سيتحدّد بحسب الإستثناءات النهائيّة المُرتقبة، حيث يرفض رئيس الحكومة رفع قانون العفو على مجلس الوزراء لدرسه تمهيدًا لإحالته إلى مجلس النواب لإقراره، في حال جرى إستثناء «المسجونين الإسلاميّين» من لوائح المَحكومين والمَطلوبين الذين سيعودون إلى الحريّة، في حين يرفض كل من «التيّار الوطني الحُرّ» و»حزب الله» الإفراج عن هؤلاء كمجموعة واحدة. وأضافت المصادر أنّ العمل قائم حاليًا لإصدار لوائح مُفصّلة لكل ملفّ من ملفّات الإسلاميّين المَوقوفين، بحيث يتمّ الإبقاء على من ثبتت إدانتهم بالتورّط بأعمال إرهابيّة واضحة، وبمعارك مُباشرة مع الجيش من عبرا مرورًا بعرسال وطرابلس وُصولاً إلى بحنين وغيرها من المناطق، داخل السجون، على أن يشمل العفو «إسلاميّين» لم تثبت إدانتهم في أي من هذه الأعمال، واعتقلوا بسبب مُعتقداتهم الدينيّة، وذلك بالتزامن مع صُدور أحكام بالسجن مُخفّفة للبقيّة، مع الإشارة إلى أنّ أكثر من ثلث الموقوفين «الإسلاميّين» لم تصدر بحقّهم أي أحكام قضائية بعد. وختمت المصادر كلامها بسؤال: «هل ستُشكّل الإستثناءات النهائيّة المُرتقبة، المخرج المطلوب لملفّ قانون العفو الذي طال إنتظاره، أم أنّ الأمور ستبقى عالقة حتى إشعار آخر؟