مرة جديدة يحقق رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه السياسي نجاحا منقطع النظير في تضييع الفرص، مرة جديدة يمنحه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله فرصة «لعب دور» جدي في ملف حيوي ومفصلي على الساحة اللبنانية، لكن رئيس تيار المستقبل يواصل هدر الوقت بالتلهي في قضايا بعيدة عن الواقع، ولا صلة لها بالاحداث الجارية..لكن عن اي فرصة نتحدث؟ ولماذا يصر رئيس الحكومة على خسارتها؟
اوساط مقربة من الحزب تشير الى ان ما يدركه الحريري نفسه، وما هو موجود في عمق تفكير قيادة المقاومة، واضح لا يقبل اي التباس، ويفيد بان فريق رئيس الحكومة السياسي في لبنان خسر رهانه على اسقاط النظام في سوريا، «ونقطة على اول السطر». هذا الرهان انتهى الى غير رجعة، ولا سبيل لاعادة «عقارب الساعة» الى الوراء، لكن ما هو غير مفهوم حقيقة هو ذلك العناد «الغريب» في الاصرار على عدم القبول بسياسة «تقليل الخسائر»، والاستمرار في تبني استراتيجية «النعامة» عبر «دفن» «الرؤوس في الرمال»، وادعاء ان شيئا لم يتغير منذ العام 2011 وحتى الان.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان قيادة حزب الله في عرضها المقدم للحكومة اللبنانية للتفاوض مع الحكومة السورية في مسألة النزوح، تمنح رئيسها وبعض وزرائها «صك» براءة عن اعوام خلت من «التآمر» على الدولة السورية، واذا كان السيد نصرالله قد ذكّر في كلمته امس الاول، من يرفض فتح قنوات الحوار، بان دمشق لا تحتاجه لتوثيق شرعيتها، فان ما لم يقله هو ان اصحاب هذا الموقف هم اكثر حاجة للقيام بخطوة مماثلة تمكنهم من التكفير عن ذنوبهم، واللحاق بركب التسويات في المنطقة بدل البقاء على «رصيف الانتظار»، فيما تسير «قافلة» الحلول دون ان يلحظ احد بانهم لم يلتحقوا بها.
ووفقا لمنطق الامور، فان المسألة كانت يجب ان تكون معكوسة، وكان حزب الله للوهلة الاولى يظن انه سيعاني في اقناع دمشق بفتح قنوات حوار مع الطرف اللبناني المعادي لها، لكن «مونة» السيد نصرالله الكبيرة هناك «فكفكت» الكثير من «الالغام»، وعبدت الطريق امام احتمال مماثل، لكن وعلى طريقة «ضربني وبكى وسبقني واشتكى»، يمارس الفريق السياسي الرافض، «الدلع» السياسي المثير «للشفقة»، لانه بمثابة انتحار سياسي عن سابق تصور وتصميم، «والانكى» من ذلك، سوريا ليست هي من تعاني من ازمة النزوح بل لبنان، ومن يجب ان يتلكىء ويحاول التهرب من هذا العبء هو الجانب السوري، وليس اي فريق لبناني، لكن ما يحصل على ارض الواقع مستغرب وينم عن «قصر نظر» سياسي، لكنه يعبر ايضا عن وجود «قيود» والتزامات خارجية عند هذا الفريق، الذي ربما لو ترك يختار لقبل بما هو معروض عليه.
في المقابل، فان الحريري من خلال غياب الرؤية وعدم وجود اجوبة لديه عن مخارج من الازمات الملحة مع ما تبقى من فريق 14آذار، يهدي حزب الله «الهدايا» بالمجان، لانه في مقابل هذا الضياع هناك خطط واجوبة وحلول عملية عند الحزب، وهو يقوم بترجمتها على الارض دون الحاجة لا الى موافقة مسبقة او مؤخرة من قبل رئيس الحكومة وفريقه السياسي الذي لا يملك الان سوى استراتيجية الرفض وقول، «لا»، لا تصل الى مسامع قيادة حزب الله الماضية في تنفيذ الخطط المرسومة بدقة في مسألتي النزوح السوري، وتحرير الجرود من الارهابيين.
وفي هذا السياق يشكل النجاح المضطرد في اعادة مئات العائلات السورية من مخيمات عرسال الى قرى القلمون الغربي، وآخرها عودة 300 عائلة الى بلدة عسال الورد، احراجا كبيرا لتيار المستقبل والقوى الرافضة التفاوض مع الدولة السورية، فحزب الله من خلال التفاوض المباشر مع تنظيم «سرايا اهل الشام» والتنسيق الامني مع الجيش اللبناني ومع الدولة السورية يقدم نموذجا ناجحا لعودة طوعية لمجموعة كبيرة من السوريين صنفوا في الماضي بانهم جزء من عائلات مسلحي المعارضة السورية الذين نزحوا مع ابنائهم المنتشرين في الجرود وفي محيط بلدة عرسال.
و الاستمرار في هذه العملية الناجحة يضع رئيس الحكومة وفريقه السياسي امام الاسئلة المحرجة، فهو حتى الان لم يستطع «ازعاج» السعوديين بالسؤال الرسمي المباشر، عما اذا كان بامكانه فتح حوار مع الدولة السورية، مع العلم ان الرئيس الحريري حاول «جس نبض» المملكة بشكل «موارب» حول هذه المسألة من خلال التواصل «غير الرسمي» مع صديقه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لكن الاخير لم يتمكن من الحصول على اجابة سلبية او ايجابية من القيادة السعودية وبشكل خاص من ولي العهد الامير محمد بن سلمان، وهو ما فسره رئيس الحكومة «بالصمت» السلبي الذي جعله يتمسك بموقفه الرافض لفتح قنوات اتصال حكومية مع الحكومة في دمشق، واضعا نفسه على «هامش» قضية حساسسة وجوهرية تمس بيئته الحاضنة قبل غيرها، وهذا سيضر كثيرا به على المدى الطويل والمتوسط، خصوصا اذا ما نجح حزب الله بالتنسيق مع «القنوات» الامنية اللبنانية الرسمية والتواصل مع الدولة السورية في اعادة اعداد كبيرة من النازحين، وهو امر يجري العمل عليه، وتفيد المعلومات ان التحضيرات على «قدم وساق» لاتمام الامر.
لكن هل تحول حزب الله الى جمعية خيرية توزع «الهدايا» السياسية على من يفترض انهم خصومه في السياسة؟ بالطبع لا، تقول تلك الاوساط، لكن للحزب مصلحة اولا في تخفيف بعض الاعباء الموضوعة على كاهله في الملف السوري، وهو لا يريد ان يحمل وحده عبء ملف النزوح لانه ملف معقد ويحتاج الى متابعات من قبل الاجهزة الحكومية، وهو ابلغ من يعنيهم الامر انه مستعد لتقديم كل انواع المساعدات في هذا المجال، لكن الدولة هي المسؤولة اولا عن هذا الملف. اما البعد الاخر للمسألة ففيه وجهة نظر سياسية باتت بمثابة قناعة لدى قيادة حزب الله، وخلاصتها تفضي الى وجود مصلحة في بقاء «الحريرية» السياسية على «قيد الحياة»، لان تيار المستقبل بما يمثل الان على الساحة السنية، لا يمكن تجاوزه ببساطة، وهو امر لا يريده الحزب اصلا، وعلى قاعدة «سيىء بتعرفوا ولا اسوأ تتعرف عليه»، يستطيع حزب الله التعايش مع «التيار الازرق»، ولا ضير بالنسبة اليه بان «يلعب» الدور المناط به، اذا كانت المحصلة «ضرب» التيارات الاكثر تطرفا، خصوصا ان قيادة الحزب ترغب بشدة في المحافظة على الاستقرار السياسي والامني في البلاد في «زمن» التحولات المصيرية في المنطقة، لكن المشكلة حتى الان ان الحريري لا يريد الاستفادة من «العرض» المقدم.
وفي الخلاصة، يحاصر الحريري نفسه ويمارس هوايته المفضلة «باطلاق النار على قدمه»، هو الان يبدو معزولا عن واقع دولي واقليمي يتحرك باتجاه ايجاد تسويات مع الدولة السورية، وهو اختار البقاء على «مقاعد» المتفرجين او باحسن الاحوال شغل موقع «المعلق» على «المباراة»، وهو يعرف انه مهما بلغت مهارته في التعليق لن يتمكن من تغيير الوقائع التي يتحكم بها فقط اللاعبون في «الميدان». وفي هذا السياق، شعرت احدى الشخصيات السياسية البارزة «بالذهول» مؤخرا عند سماعها رئيس الحكومة يردد على مسامعها السؤال حول طبيعة الغارات السورية على الحدود، وعما اذا كانت تعد خرقا «للسيادة» اللبنانية، موحيا انه بصدد دراسة تقديم شكوى الى الامم المتحدة! هذه الشخصية نصحته بالقليل من الواقعية، ومواكبة التطورات بشيء من الجدية، لانه قريبا سيكرر سؤال كان طرحه النائب وليد جنبلاط على حزب الله بعد انتصار تموز، عندما سأله لمن سيهدي هذا الانتصار؟ وهو سؤال سيكون ملحا، لان حزب الله سيتمكن من تحرير الجرود قريبا.