«مداورة» بين عون وبري.. و«القوات» تحرج «التيار»
الحريري مرتاح للاستشارات: 4 كتل تريد «المالية»!
على كثرة ما ترددت عبارة «الاستشارات الملزمة»، خلال الأيام الماضية، قالها الرئيس سعد الحريري، في بيان قبوله التكليف: «أتطلع الآن للشروع في الاستشارات الملزمة لتشكيل حكومة وفاق وطني»، قبل أن يتنبّه فيصحح قوله: «غير الملزمة».
المفارقة أن الاستشارات النيابية إن كانت تلك التي يجريها رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة المكلّف، تبدو لزوم ما لا يلزم. في الحالة الأولى، لا دور فعلياً لرئيس الجمهورية سوى في تعداد الأصوات التي ينالها رئيس الحكومة، ومن ثم إصدار مرسوم التكليف على أساسها، وفي الحالة الثانية لا دور فعلياً للنواب، إذ يمكن لرئيس الحكومة المكلّف أن يرمي جانباً دفتر ملاحظاته ويبدأ مشاوراته الفعلية مع القوى والكتل الفاعلة، لا مع كتل نيابية، تشكّل في معظمها ودائع لأحزاب أساسية، قررت أن تفرّخ كتلاً لزوم التوازنات الطائفية والسياسية.
مع ذلك، فإن الاستشارات يمكن أن تعطي صورة واضحة لحجم المطالب النيابية بالتوزير، والتي لو لُبِّيت كلها لكانت الحاجة إلى حكومة خمسينية لا ثلاثينية. كثير من الكتل المؤلفة من نائب أو نائبين تريد أن تمثَّل في الحكومة، وهذا لا يعني أنها لن تنجح في مسعاها. لكن الأكيد أن نجاحها سيكون مرتبطاً بمدى إصرار القوى الأساسية على تمثيلها.. وهو أمر يصح أيضاً لتوزير من هم خارج المجلس.
كل الأجواء تشير إلى أن التأليف «على السكة».لكن، إذا لم يتمكن الحريري من تفكيك الألغام التي تعترض عملية التأليف، قد يضطر إلى الجلوس إلى جانب الرئيس تمام سلام في احتفال عيد الاستقلال.
معظم من شاركوا في المشاورات، أمس، في مجلس النواب، خرجوا بانطباع يشير إلى أن الحريري رمى خلفه حكومة الـ24 وزيراً، معتبراً أن إضافة 6 وزراء إليها يمكن أن يساهم في الاستجابة إلى بعض المطالب.
أعاد الرئيس فؤاد السنيورة التذكير بموقف «المستقبل» الداعي إلى اعتماد المداورة في الحقائب. ذلك الأمر ساهم في تأخير تشكيل الحكومة الأخيرة لأشهر طويلة، بعدما كان «التيار الحر» يصرّ على إبقاء جبران باسيل في وزارة الطاقة. حينها كان عون من أشد المعارضين لمبدأ المداورة، فيما كان الرئيس نبيه بري يعتبر أنها «تتضمن كل صمامات الأمان المطلوبة»، مذكّراً أنها «إصلاحية الطابع وتنسجم مع شعار التغيير والإصلاح الذي يحمل توقيع عون».
يومها جاءت الفتوى بمداورة ملتبسة شملت الإسم لا الجهة، فأعطيت وزارة الطاقة لـ«الطاشناق» وبقي باسيل الوزير الفعلي من خلال عدد كبير من مستشاريه، في الوزارة.
مرّت الأيام وانقلبت الأدوار. احتاج «التيار» لسنتين حتى يقتنع بنصيحة بري، فيطرحها النائب ابراهيم كنعان كأحد مطالب «التيار»، إضافة إلى ميثاقية التأليف (توزيع الحقائب بحسب الأحجام النيابية). في المقابل، يبدو أن بري لم يعد مقتنعاً بها، مع ما يتردد عن إصراره على الإبقاء على حقيبة المالية. وحده «المستقبل»، أو بشكل أدق الرئيس فؤاد السنيورة، حافظ على وجهة نظره خلال التأليفين، من دون أن يعني ذلك أنه سيعمل على تحقيقها، في ظل الرغبة الحريري بأن تبقى «الداخلية» من حصته.
لكن العقبة الفعلية بوجه المداورة تبقى في رفض «كتلة التنمية» التخلي عن المالية، لذلك فإنه يتوقع أن يتم التركيز على هذه النقطة، خصوصا أن الجميع يدرك أن اللعب مع بري خط أحمر، في ظل المساعي التي تبذل لإقفال مرحلة الخلاف الرئاسي معه. أضف إلى أن «حزب الله» كان حاسماً، بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، بأنه «لن يشارك في أي حكومة لا تشارك فيها أمل». لا بل اعتبر أن من حق بري على «تكتل التغيير» أيضا أن لا يشارك في حكومة لا يشارك فيها رئيس المجلس.
وإذا حُلّت مسألة المداورة، فإن مسألة الحقائب السيادية بدأت تطل برأسها كإحدى الألغام التي ينبغي على الحريري التعامل مع أخطارها. فعلى سبيل المثال، سمع الرئيس المكلف من أربع كتل رغبتها بالحصول على وزارة المالية. لكنه مع ذلك، كان في اليوم الأول مرتاحاً إلى نتيجة المشاورات، التي تستكمل اليوم.
بالمحصلة، طالب «التيار الحر» بأربع وزارات، واحدة سيادية (طالب بالداخلية أو المالية) وأخرى خدماتية واثنتان «أساسيتان»، وهي حقائب لا تحتسب منها حصة «الطاشناق» و «المردة»، فالأول يفترض أن يمثل بحقيبة كما درجت العادة، فيما أكد النائب سليمان فرنجية أنه يريد وزارة أساسية، بعد أن صنّف الوزارات بسيادية وأساسية وثانوية، وقال «إذا عرض علينا شيء جيد نقبل وإذا لم يعجبنا فلسنا متمسكين بأي وزارة». كما أبدى استعداده للقاء مصالحة يجمعه بعون.
أما كتلة «القوات»، فقد أبدت حماستها لتكون شريكاً في الحكم في بداية العهد، فطالبت بثلاث وزارات، سيادية وخدماتية ومتوسطة. والتحدي الأكبر في هذه المطالب هي الوزارة السيادية، انطلاقاً من أن الوزارات الأربع يفترض أن تتوزع بين رئيس الجمهورية و»التيار الحر» و «المستقبل» و «أمل». وبذلك، فإن مشكلة «القوات» ستكون حصرياً مع حليفها «التيار» أو مع عون (الحقيبتان المسيحيتان). وحتى لو تنازل أحدهما عن وزارة، فإن الأمر لن يُحلّ، في ظل الاعتراض المتوقع من أكثر من مكوّن، لا سيما «حزب الله»، على تسليم وزارة سيادية إلى «القوات».
لذلك، يرجح أن تؤدي المفاوضات إلى تخلي «القوات» عن مطلب الحقيبة السيادية، علماً أن جورج عدوان، ألمح بالمواربة إلى حقيبة الأشغال، في معرض حديثه عن الحقيبة الخدماتية.
وفي ظل الحكومة الثلاثينية، فإن تلبية مطلب طلال إرسلان بالحصول على حقيبة وزارية لن يكون صعباً، فيما حرص سامي الجميل على التسريب بأن الحريري عرض على «الكتائب» الانضمام إلى الحكومة. وكان لافتاً اللقاء الذي عقد بين الحريري ونائب «البعث» عاصم قانصو، الذي طالب بدوره بحقيبة (الشؤون الاجتماعية) ولم يسعفه الوقت للحديث في السياسة!