طال أمد تشكيل »حكومة العهد الاولى« بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، أم قصر، فإن الرئيس المكلف سعد الحريري متمسك بثوابته وقد رسم خريطة طريقة وفق أولويات، يأتي في طليعتها »وضع البلد« داعياً الافرقاء كافة الى »التواضع« و»تقديم بعض التضحيات لأجل مصلحة لبنان واللبنانيين..«.
لا أحد ينكر ان وضع البلد، وعلى العديد من المستويات، لم يعد مريحاً.. وكل فريق من الافرقاء لديه مطالب لم تعد خافية على أحد، وهي مسجلة لدى الرئيس المكلف، على رغم ان البعض يتقلب يوماً بعد يوم، ذات اليمين وذات الشمال في مطالبه، يصعّد يوماً و»يتنازل« يوماً آخر.. لكن لا جديد يذكر تحت الشمس..
خرج الرئيس الحرريي عن صمته، ومع ذلك فهو لم يقطع »شعرة معاوية« مع أحد، على رغم ما تعرض له من »فبركات« واتهامات، ثبت أنها غير صحيحة، ولا وجود لها إلا في ذهن من له مصلحة في عرقلة التأليف، وتمديد فرصة »تصريف الأعمال«.. وهو الذي قدّم ما قدمه من تنازلات، وتضحيات، ولم يكن حجر عثرة في وجه انجاز الاستحقاق الحكومي المطلوب القائم على أساس »تشكيل حكومة وفاق وطني متوازنة سياسياً، وتشارك فيها جميع القوى بمعزل عن أي تدخلات خارجية، لتتمكن من القيام بالمهمات والمسؤوليات التي ينتظرها منها اللبنانيون كافة..«.
لن يتراجع الرئيس الحريري، ولن يعتذر، وسيواجه التحديات والمسؤوليات بحكمة ودراية وتعقل.. وفي قناعة عديدين مقربين منه اليه، ان شيئاً لن يغيره بأي اعلان عن رمي كرة التأليف الى ملعبه، لأن هذه الكرة، موجودة أساساً في ملعبه وفقاً للدستور والاصول المتبعة.. ووفقا لمبادئ اتفاق الطائف بالتعاون مع رئيس الجمهورية التي يتمسك بها، ولن يرضى بديلاً عنها..«؟!
كان الرئيس المكلف يتمنى ان تتشكل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وهو الذي حظي »بمباركة« 112 نائباً من أصل 128.. وما كان يخطر على بال أي أحد، ان تؤول الامور الى ما آلت اليه، وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وقد أدخل الخارج الدولي والاقليمي والعربي على خط التشكيل، موزعاً بين مؤيد ومتحفظ ومتمهل، ومعرقل.. وهي مسألة طبيعية جداً، وليست الاولى في تاريخ الحكومات اللبنانية المتعاقبة، بالنظر الى »خصوصية الوضع اللبناني.. وتركيبته الديموغرافية والجيوسياسية وموقعه الجغرافي وما الى ذلك..«؟!
»بق البحصة« بعد طول صمت ونفى ان تكون السعودية تضع العصي في دواليب عربة التأليف.. وهو الساعي ليل نهار، من أجل تقريب وجهات النظر وتضييق شقة الخلافات بين مختلف الافرقاء السياسيين اللبنانيين، بتأن وروية، تشكيل »حكومة وفاق وطني«، لا تلغي التباينات بين مكوناتها، إنما تضبطها، وتحافظ على التوازن المطلوب لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين، بعيداً، ما أمكن عن المؤثرات والضغوطات الخارجية.. فما في لبنان، يكفيه..«؟!
يبقى سؤال بالغ الأهمية، خلاصته ما هي الجريمة ان تبادر دول صديقة للبنان، الى العمل من أجل تذليل العقبات من طريق تأليف الحكومة.. وقد أثبتت التجربة الحريرية صلاحيتها لتفعيل أقنية الاتصال مع دول العالم الصديقة للحفاظ على الأمن والاستقرار في المعادلة الاقليمية.. على رغم »انكسار الجرّة« مع الدولة السورية.. وهي نقطة من أبرز نقاط الاختلاف في الداخل اللبناني؟!
ليس من شك، وفي قناعة عديدين، ان الظروف السيئة التي تحيط بلبنان، وعلى العديد من المستويات، لم تعد تحتمل ترف الاستغراق في »المماطلة« والانغماس في فوضى الشروط والشروط المضادة، ولا حتى ربط انجاز تأليف الحكومة الجديدة، بالضوء الأخضر الخارجي، ولا حتى بمحطات واستحقاقات خارجية، هي في نظر البعض ذات وزن مؤثر وفاعل في الداخل اللبناني.. الامر الذي يستدعي اعادة الحياة الفاعلة والمؤثرة، الى شرايين العلاقات بين »بيت الوسط« و»القصر الجمهوري« وعين التينة، لوضع صيغة عمل، او حوار، تخرج البلد من الظلمات الى النور، ومن البلبلة والفوضى الى الوضوح والجلاء واليقين، وتعيد ثقة اللبنانيين ببلدهم، كما وتعيد ثقة الخارج بلبنان، وهي ثقة بدأت تتلاشى..
من اسف، ان هناك من يرى ان إطالة أمد التشكيل مطلب مرتبط بالعديد من التطورات الاقليمية المحيطة بلبنان.. »شاء من شاء وأبى من أبى«.. وعلى الرئيس المكلف ان يتناول المزيد من جرعات »الصبر على الصعوبات..« او يخرج عن صمته ويعتذر.. وهذه مسألة باتت قيد التداول، ولم يدر الرئيس الحريري ظهره لها، مؤكداً أمام مقربين منه، أنه لن يعتذر« وهو ماضٍ في خياره ومتمسك بثوابته، مستنداً الى صلاحياته المكرسة في الدستور.. ولن يقفل أبوابه في وجه أي أحد، من أجل مصلحة لبنان واللبنانيين..« وذلك على رغم ان كرة التأليف، هي حقيقة في ملاعب الافرقاء المتمسكين بما يعتبرونه »حقوقاً« لهم، ولا يقدمون على أي تنازل او تراجعون خطوات الى الوراء متكئين على ان الحريري هو في »مأزق محرج« وليس أمامه من خيارات سوى ما أعلنه من ثوابت في مقدمها مصلحة البلد، وتشكيل حكومة وازنة وجامعة، يشارك فيها الجميع.. او لا تكون حكومة؟!