توحي التطورات المتلاحقة لبنانياً وفي الاقليم بأن لا تسويات للازمات القائمة الّا بعد تبلور الادارة الاميركية الجديدة، والبعض يقول ان لا شيء متوقعاً في هذا المضمار قبل الربيع المقبل.
تبني مصادر نيابية مطلعة على سير الاوضاع توقعات متشائمة باستمرار الازمة اللبنانية في حال من المراوحة على انعدام توصل روسيا والولايات المتحدة الاميركية حتى الآن الى اتفاق على حلول للازمات الاقليمية وفي مقدمها الازمة السورية، حيث انّ وزيري الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف لم تكفهما عشر ساعات من المحادثات المتواصلة في جنيف الاسبوع الماضي للتوصّل الى اتفاق من شأنه ان يدفع المفاوضات السورية – السورية المقررة في جنيف قريباً قدماً لإنتاج اتفاق ينهي الازمة في سوريا المستمرة منذ اكثر من خمسة اعوام.
وترى هذه المصادر انه كان متوقعاً ان لا يتوصل كيري ولافروف الى اتفاق ناجز، في شأن سوريا، لأنّ الادارة الاميركية الراهنة دخلت في مدار الانتخابات الرئاسية وهي راحلة بعد انتخاب رئيس اميركي جديد في مطلع تشرين الثاني المقبل على رغم التوقعات بفوز المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون ما يبقي الديموقراطيين في البيت الابيض بعد خروج الرئيس باراك اوباما منه، وهذا الامر يدركه الجانب الروسي ويعتبر انه لن يستطيع تحصيل اي شيء من هذه الادارة وما عليه إلّا انتظار الادارة الجديدة التي سيؤلفها الرئيس الاميركي الجديد.
وفي الانتظار إنّ الوضع اللبناني باق في حال الجمود والمراوحة التي يدور فيها ولن ينفع الحوار الوطني في إخراجه منها، ولكن التحاور يبقى افضل من التباعد وان جلوس الاطراف المتنازعين الى الطاولة الحوارية حتى وان كان لا يتوقع منه اجتراح المعجزات حالياً، فإنه يرسخ تهدئة سياسية، ولو نسبية، يمكن البلد ان يتجاوز معها مرحلة الجمود الى حين انفتاح آفاق الحلول لحظة اتفاق عواصم القرار على إقفال ملفات الازمات الاقليمية.
ولذلك، فإنّ السلّة التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري والتي ادخل فيها موضوع إنشاء مجلس شيوخ بعد انتخاب رئيس مجلس نيابي خارج القيد الطائفي من الضروري ان تكون مادة البحث على طاولة الحوار في ظلّ عدم وجود اوهام لدى ايّ طرف بأنّ الاتفاق عليها سيتم اليوم او غداً، وذلك الى حين انقشاع الرؤية الاقليمية، فعناصر السلة هي القضايا المهمة التي اذا اتفق المتحاورون عليها تحقق الحل الشامل للأزمة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية مروراً بقانون الانتخاب ووصولاً الى اللامركزية الادارية وسواها.
وفي هذا السياق تقول المصادر النيابية المطلعة على موقف الرئيس سعد الحريري، انّ الرجل لا مانع لديه في تبنّي ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون، ولكنه حتى يقدّم هذا «التنازل» والتخلّي عن ترشيحه لزعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية يريد من الفريق الآخر ان يبادر الى الاتفاق على ترشيح عون وسحب ترشيح فرنجية لأنّ هذا الفريق، اي فريق 8 آذار، منقسم في الموقف في هذا المضمار، فقسم منه يؤيّد عون والقسم الآخر يؤيّد فرنجية واذا لم يحصل توافق «8 آذاري» على عون فإنّ الحريري مستمر في ترشيح فرنجية ولن يتخلى عن مبادرته في هذا الصدد.
وترى هذه المصادر انّ الحريري لن يبادر الى ترشيح عون ما لم يتبلور موقف جامع لفريق 8 آذار يؤيّده، ولكن في تحليل زعيم تيار «المستقبل» وفريقه انّ ما طرحه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير بحسم الموقف برئاسة الجمهورية لمصلحة عون ورئاسة مجلس النواب للرئيس نبيه بري ويُبقي رئاسة الحكومة للحريري موضع بحث غير محسوم، دفع الحريري الى «فرملة» البحث والتواصل في شأن فكرة ترشيح عون، علماً انّ تيار «المستقبل» وحلفاءه يعتقدون انّ فريق 8 آذار لن يحسم اي موقف نهائي إذ انّ الامور باتت ابعد من ذلك لأنّ موضوع الاستحقاق الرئاسي ليس على جدول اعمال الجانبين الايراني والسعودي، فالجانب الايراني ينتظر التسوية في سوريا حتى يدخل في تسويات حول ملفات الازمات الاخرى سواء في لبنان او في بقية دول المنطقة، علماً انه لم يعد هناك ايّ فريق يفاوض طهران في موضوع التسويات الاقليمية سوى الجانب الاميركي وانّ ايّ كلام عن إمكان حصول مفاوضات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية في هذا الشأن ليس في محله لأنّ مثل هذه المفاوضات غير متيسّرة حتى الآن.
امّا الجانب السعودي فهو الآخر لديه انشغالاته بأزمات كثيرة في هذه المرحلة من اليمن الى البحرين فالعراق وسوريا، فضلاً عن انشغاله في ترتيب اوضاعه الداخلية والمالية والاقتصادية، ما يمنع لبنان من أن يكون أولوية على أجندته الاقليمية.
وفي ضوء هذه المعطيات تكرر المصادر النيابية المطلعة التأكيد انّ الحريري لن يذهب الى تقديم مزيد من التنازلا ت على حساب شعبيته، وإنما سيعمل على تعزيز رصيده الشعبي، فهو في إمكانه وفريقه تأمين النصاب لجلسة انتخاب عون رئيساً للجمهورية، ولكن ليس لديه أي ضمانات بأنّ «الفريق الآخر» سيتفق بالاجماع على عون، لأن ليس هناك أيّ قرار اقليمي بعد بتسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني، علماً انّ نواب فريق 8 آذار ومعهم نواب حزب «القوات اللبنانية و«اللقاء الديموقراطي» في إمكانهم توفير النصاب لانتخاب عون او اي مرشح آخر في حال كانت لدى فريق 8 آذار توجهات حاسمة في اتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ولكن هذا الفريق هو، في رأي تيار «المستقبل، مُسْتَكفٍ حالياً بالمعادلة الداخلية الراهنة وما يسودها من استقرار امني ويركز اهتمامه ورهاناته على الاوضاع الاقليمية وما ستنتهي اليه من تسويات من دون ان يكبّل نفسه بأيّ التزامات إزاء اي فريق داخلي آخر.
وفي المحصّلة تؤكد المصادر النيابية ان لا جديد متوقعاً حصوله على مستوى حل الازمة قبل تكوّن الادارة الاميركية الجديدة الذي سيشكلها من سيخلف باراك اوباما في البيت الابيض مطلع السنة الجديدة، وفي انتظار ذلك فإنّ الحوار بين قادة الكتل النيابية ستتوالى جلساته ولن يقصّر رئيس مجلس النواب نبيه بري راعي هذا الحوار ومديره في إشاعة اجواء المودة بين المتحاورين، والدفع في اتجاه تأمين توافقات عملية او تمهيدية على بنود «سلّة الحل» على امل ان يؤول الوضع الى انتخاب رئيس توافقي لا تتكرر معه تجربة الرئيس السابق ميشال سليمان التي شكا منها كثيرون.