بعدما عادت موجة التفجيرات الانتحارية لتلفح الساحات من بيروت الى باريس او جنوب شرق تركيا، ولتقضّ المضاجع وتعيد الحسابات في شأن المقاربات المحلية والدولية حول كيفية مكافحة الارهاب واحتواء التمدد الإرهابي “الداعشي”، بدأت ملامح التسوية الداخلية تتظهر، بعدما نضجت قناعة ولا سيما في اوساط “حزب الله” وفريقه السياسي بأن الأوان قد حان لكسر الجمود والخروج الى مرحلة سياسية مختلفة.
في كلمته المتلفزة، وجه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله رسائل عدة في أكثر من اتجاه محورها الأساسي هو وأد نار أي فتنة سنية – شيعية يجري العمل على إشعالها من مسرح الضاحية الجنوبية وعلى مسافة أمتار من المخيم الفلسطيني لبرج البراجنة.
لا يحتمل الحزب في عز المواجهة التي يخوضها في سوريا فتح الجبهة الداخلية حيث يعمد تنظيم “داعش” الى الرد على الحزب من خاصرته الشعبية في عمق قاعدته الجماهيرية.
في خطابه الأخير، خرج نصرالله عن اللهجة التصعيدية التي دأب عليها في سعيه الدائم الى الرد على الدعوات “المستقبلية” له للخروج من سوريا والعودة الى “الشركاء في الوطن”، وكان أكثر إيجابية في مد اليد الى “التيار الأزرق”، عاكسا بذلك تراجعاً في حدة التشنج الذي طبع الصراع السعودي – الايراني في الفترة الماضية والذي انعكس شللاً في الحياة السياسية والمؤسسات الدستورية في البلاد. طرح نصر الله التسوية الشاملة القائمة على ٤ محاور: الرئاسة والحكومة ومجلس النواب وقانون الانتخاب، رافضاً وضعها في إطار المؤتمر التأسيسي الذي كان أول من اقترحه قبل أعوام، مطمئنا الطائفة السنية إلى ان لا توجه لتغيير النظام السياسي او تعديل الطائف.
لكن الإيجابية التي لاقى بها الرئيس سعد الحريري مبادرة نصر الله، ظلت مغلفة بالجدار المأزوم، إذ أعاد تصويب الأولويات بتأكيده ان المدخل السليم لتسوية تعيد إنتاج السلطة التنفيذية وقانون الانتخاب يكمن في بت الرئاسة. وهذا يعيد الأمور الى المربع الأول، خصوصا ان الحريري غير قادر على التراجع خطوة في مسألة الرئاسة تجاه حلفائه المسيحيين، بعدما أُحبطت المسائل الجوهرية في تسوية الجلسة التشريعية على حساب الفريق المسيحي، ولا سيما في شأن سحب التوصية النيابية التي تربط قانون الانتخاب بالانتخابات الرئاسية.
تصف مراجع “مستقبلية” كلام نصر الله بالطيب، لكنها ترى انه غير كاف ما لم يقترن بترجمة عملية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية يحظى بالثقة والتوافق من كل القوى السياسية. فانتخاب رئيس يحصن البلاد ويحمي المقاومة وليس العكس.
ترى المراجع إيجابية في كلام السيد وتمد اليد لتلاقي اليد الممدودة وترد التحية بتحية مماثلة، ولكن ماذا بعد؟
“دخلنا الحوار الثنائي بالروح الإيجابية إقتناعا منا بضرورة التحاور والتواصل، إذا لم يكن اليوم فغدا وإذا لم يكن غدا فبعد غد. وهناك جلسة الثلثاء، فهل تنتج تقدما في المبادرة؟”. أسئلة تطرحها المراجع، ولا تجد لها جوابا في انتظار الترجمة العملية لها.
وعليه، وإذا كان الأسبوع السياسي يفتتح على جلسة الحوار غدا، فإن الحكومة لا تزال عالقة في عنق الأزمة. ولا أفق لجلسة جديدة من خارج ملف النفايات بعد التوجه الجدي نحو خيار التصدير، ما يعني ان مراوحة من نوع آخر باتت تحكم المشهد السياسي الداخلي وتنتظر ما يمكن ان تحمله المتغيرات الناجمة عن هجمات باريس على ملف الارهاب والوضع في سوريا ومصير الأسد.