لا شيء يدلّ إلى أنّ الرئيس سعد الحريري في وارد العودة عن استقالته ما لم تُلبَّ الشروط التي حدّدها في بيان الاستقالة، الذي أعلنَه من الرياض ثمّ استكمله في مقابلته التلفزيونية الشهيرة.
الحريري، عائد ليقود «معارضة جديدة» دلَّ إليها ما رَشح من اجتماعات مركزية تعقدها كتلة «المستقبل» وتنسقيات «التيار الأرزق» وكوادره، امّا عناوين هذه المعارضة وبرنامجها وشعاراتها فسيحددها الحريري في خطاب سيُلقيه في الاستقبال الذي سيُنظَّم له غداً في «بيت الوسط» وجواره وفي وسط بيروت، بعد انتهاء الاحتفال بعيد الاستقلال في وسط بيروت وفي القصر الجمهوري، وسيعمل «المستقبليّون» على تحويل هذا الاستقبال «حشداً كبيراً» مستفيدين من حال التضامن والالتفاف الشعبي والسياسي التي حظي بها الحريري إثر إعلان استقالته من العاصمة السعودية ومكوثه فيها منذ الرابع من الشهر الجاري وحتى السبت الفائت، حيث انتقل منها الى باريس التي استقبله فيها الرئيس مانويل ماكرون في قصر الاليزيه.
وهذا الحشد، ينتظر ان يشارك فيه جميع أحزاب فريق 14 آذار وحلفائه، وقيل انّ مؤيدين للوزير السابق أشرف ريفي سيكونون بين المحتشدين، فضلاً عن مشاركة «القوات اللبنانية» للدلالة على ان «لا صحّة للخلاف بينها وبين «المستقبل»، والذي تحدّث عنه البعض في الايام التي تلت إعلان الحريري استقالته.
بعض المطلعين على خلفيات التحضيرات الجارية لاستقبال الحريري، يؤكدون انّ «المستقبليين» وحلفاءهم ذاهبون الى هذا الاستقبال بعدما قرروا تجاوز كل ما أثير حول استقالة الحريري ومكوثه بعدها في الرياض لأسبوعين وانتقاله منها الى باريس قبل أيام، وهو في طريقه الى بيروت اليوم عبر القاهرة حيث سيستقبله فيها مساء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ويكشف هؤلاء انّ خطاب الحريري، خلال الاستقبال وبعده، سيكون سقفه السياسي ما تضمّنه البيان الذي أصدره وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الاحد الفائت في القاهرة بناء على دعوة المملكة العربية السعودية، وربما تجاوز الحريري هذا السقف بعض الشيء وفق ما تقتضيه اللعبة السياسية في المرحلة المقبلة التي يتوقع ان تشهد تحضيراً محموماً للانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل، في ظل حكومة تصريف أعمال لانعدام التوافق على تأليف حكومة جديدة، سواء أعيد تكليف الحريري هذه المهمة أو وقع الخيار على شخصية سياسية اخرى.
أوّلاً لأن ليس لدى ايّ فريق حماسة لحكومة سيكون عمرها خمسة اشهر، على ما يؤكد كثير من السياسيين، وثانياً لأنه سيكون متعذّراً تأليف حكومة غير سياسية (تكنوقراط) او حكومة سياسية لا تضم كل المكونات السياسية.
ويقول سياسيون انّ المعارضة الجديدة التي ينوي الحريري قيادتها ستكون مِعبَره الى خوض الاستحقاق النيابي طامحاً للفوز بأكثرية نيابية تعزّز موقعه في السلطة مستقبلاً، خصوصاً انّ الحسابات الانتخابية في ظل الوضع السائد حالياً، وحتى الساعات التي سبقت الاستقالة، كانت تشير الى وجود مخاوف لدى الافرقاء السياسيين، ومنهم «المستقبل»، من عدم فوز اي فريق بما يطمح اليه من عدد وازن من المقاعد النيابية، لأنّ قانون الانتخاب الجديد الذي يعتمد النظام النسبي هذه المرة لا يُمكِّن ايّ فريق من اكثرية نيابية ما لم يَنسج تحالفات انتخابية مع اكبر عدد ممكن من القوى السياسية، بشرط ان تتكرّس هذه التحالفات السياسية بعد الانتخابات.
فالحريري سيصرّ على استقالته وسيقدّمها خطية وشفهية بنصوص متقدمة على النص الذي أذاعه من الرياض، لتشكّل أسبابها عناوين المعارضة الجديدة التي سيقودها تحت شعار «انتهى عهد المساكنة وبدأ عهد المواجهة»، وفي هذا العهد لن يكون هناك اي تلاقٍ بينه وبين «حزب الله» تحت سقف حكومي واحد، وذلك أخذاً بالاسباب التي ساقَها في استقالته من الرياض وسيطّورها في بيروت، سواء قبل اجتماعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون او بعده.
ويتوقع فريق من السياسيين ان يشهد لبنان في مرحلة الاستقالة وتصريف الاعمال تشنجاً سياسياً مشفوعاً ببعض التشنجات الاقتصادية، لأنّ الساحة الداخلية ستسودها اصطفافات سياسية قديمة جديدة، وسيتخللها تنازع سياسي حاد قد تجد بعض القوى السياسية فيه ضالتها الانتخابية، فيما يُخشى من ان تؤدي العقوبات الاقتصادية والمالية التي تحضرها الادارة الاميركية في مجلسَي الشيوخ والنواب ضد «حزب الله» الى تحريض بعض الشرائح والقوى اللبنانية ضد عهد عون لتأليبه بالتالي ضد الحزب، على أن يتزامن ذلك مع تصعيد في الضغط العسكري ضد النظام وحلفائه من «حزب الله» وغيره على الساحة السورية، خصوصاً انّ المؤشرات التي لاحت في الايام المنصرمة دَلّت الى تراجع المشاريع العسكرية الكبيرة لمصلحة خيار الحروب المحدودة او الموضعية او الامنية، في ظل مخاوف من ان يكون كل ما يجري مقدمة لحرب كبرى في الربيع المقبل يتكهّن بها، بل بات يتوقعها كثيرون.