“فاض صبره بعدما باءت محاولاته مع عون بالفشل“
إنتظروا ردّه فعاد معتذراً. إستقالة فوق الاستقالة قدمها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري كانت عبارة عن “رسائل مشفرة أقرب ما تكون إلى مناورة بأسلوب جديد”، آثر “حزب الله” عدم التعليق عليها لإستيضاح ملابساتها وظروفها، فيما تريّث القصر الجمهوري في الدعوة الى الإستشارات الملزمة. على أن من اتصل بالحريري مستفسراً مساء أمس أتاه الجواب أن “رفضه لترؤس الحكومة قاطع ونهائي ولا عودة عنه. وأنه أبلغ الطرف الآخر بقراره وهو لا يمانع تسمية سمير الخطيب لكن ليس قبل أن يتعرف على صيغة الحكومة وشكلها”.
بضع كلمات ضمنها الحريري بياناً مسهباً إستعرض من خلاله حيثيات أربعين نهاراً من المشاورات المتعلقة بالتأليف والتشكيل الحكومي، كانت تحصل على وقع الحراك لينهيه بعبارة “ليس أنا بل أحد آخر”، ناصحاً بتشكيل حكومة “تحاكي طموحات الشباب في كل الساحات”.
جاء البيان في ضوء معطيات كانت تشير إلى وجود مرونة في الموقف الأميركي نقله الأوروبيون، لا يمانع ترؤس الحريري حكومة تكنوسياسية يشارك في عداد وزرائها “حزب الله”، طالما أن تمثيلهم سيتراجع عما كان عليه في الحكومة المستقيلة.
بدا الأمر للوهلة الاولى وكأن الأمر مفاجئ لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والثنائي الشيعي، غير أنّ من زار بعبدا ليل الاول من أمس لاحظ أن رئيس الجمهورية في طريقه الى الضفة الثانية وتسمية شخصية بديلة عن الحريري لكنها قريبة منه، في محاولة لرد كرة النار التي قذفها الحريري باتجاههم برفضه التكليف.
كما أعلم الحريري المقربين منه بخلفيات رفضه. يقول أحد هؤلاء: “فاض صبره بعدما باءت محاولاته مع عون بالفشل. أصر رئيس الجمهورية على وجود جبران باسيل في الحكومة طالما سعد موجود، على اعتبار أن كلا منهما رئيس لكتلة برلمانية. رفض الحريري مساواته بجبران إنطلاقاً من كونه رئيساً للحكومة أي أن المقايضة تكون رئيساً برئيس وليس رئيساً بوزير ولو كان رئيس كتلة نيابية. لكن عون رفض وتمسك بمقولة طالما في سعد يعني في جبران، شكى أمره للثنائي الشيعي فقالا له حلّها مع عون”. بالنسبة إلى رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي إن خروج باسيل وبقاء سعد يعني تأكيد شبهة الفساد على الأول وتبرئة الثاني من الاتهام.
خلال زيارته، وضع الوزير السابق غطاس خوري الرئيس عون في الأجواء. هنا تيقن فريق الثامن من آذار أن الحريري في وارد الرفض. بدأت عملية استعراض لأسماء المرشحين. بدأوا بمحمد الصفدي والرئيس تمام سلام وخالد قباني والنائب سمير الجسر. كلهم رفضوا باستثناء الوزير السابق بهيج طبارة الذي فاوضهم وفاوضوه، وتركوا له الخيار في اختيار أسماء الوزراء، أجابه الحريري: الخيار خيارك وسأوفر لك غطاء المجلس الشرعي. غير أن طبارة عاد وانضم الى قافلة الرافضين مبلغاً المعنيين اعتذاره.
وما كاد بيان الحريري يعلن حتى كانت العودة إلى قائمة المرشحين تقدمهم اسم المهندس الخطيب (شركة خطيب وعلمي للهندسة)، الذي لم يكن التوافق حوله مكتملاً بعد، ذلك أن الثنائي الشيعي وعلى رغم البيان المطول لم يكن مقتنعاً بعد ببديل عن الحريري لرئاسة الحكومة، علماً أن الاجواء كانت توحي بأن عدم الاتفاق على الخطيب يعني الدخول في طور مرحلة الخطر.
“حزب الله” ولا حكومة
حتى فريق الثامن من آذار كان يرى أن الخطوة إيجابية إذا ما كان متفقاً عليها، وإلا فهي تعني أن الحريري أجاب على خطوة الفريق الآخر بخطوة سلبية من قبله، ما يشير إلى أن لا حكومة في المدى المنظور.
التعليق على البيان كان يحتاج التعرف على خلفيات الخطوة وأسبابها من قبل “حزب الله”، خصوصاً أن خطوة الحريري جاءت في ضوء معطى دولي يؤيد حكومة تكنوسياسية يتمثل فيها “حزب الله”، فهل تصرف الحريري من تلقاء نفسه أم بناء على معطى خارجي؟ وهل أن موقفه مرتبط بما نقله الموفد البريطاني؟
كل الإتصالات توقفت بين الحريري والخليلين وبينه وبين باسيل، حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري تراجع عن دعمه للحريري. بحسبهم لم يركن الحريري إلى موقف ثابت، يرفض جبران ويوافق على “حزب الله” ثم يرفض شراكتهما معاً في الحكومة، ويحدّد شروطه وفق ما يراه مناسباً لمصلحته. في تحليل مصادر الثامن من آذار أن “الحريري ضاق ذرعاً من الضغوطات عليه فرمى الكرة ليقول للآخرين شكلوا حكومة من دوني ضارباً بالتسوية عرض الحائط. موقف يبيعه للأميركي على أنه رفض حكومة فيها حزب الله، وللسعودي يقول تخلصت من عبء التسوية”، تحليل ليس نهائياً بعد، الخطوة تحتاج الى مزيد من الدرس وفي كل الحالات فإن “البيان جاء على خلفية إتصالات متوقفة بين الأطراف، وقد جاء مضمونه ليقطع الطريق على أي اتصالات محتملة”.
ورغم كل ما تقدم بقي من لا يلغي خيار المناورة من جهة الحريري ومحاولة الضغط لإعلان موعد قريب للاستشارات النيابية الملزمة، خصوصاً أن البيان ترافق مع بيان للمجلس الشرعي أكد فيه “احترام الدستور والدعوة للإستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس حكومة”، مطالباً “بحكومة إنقاذية من أشخاص موثوقين تكتسب ثقة الناس”.
وثمة من ذهب بعيداً في التشاؤم إلى حد الحديث عن حصر الخيارات ما بين سعد مع حكومة تكنوقراط أو أن يدخل البلد في المجهول، من دون أن يستبعد أن تكون الخطوة المقبلة اسقاط المجلس النيابي وتعزيز خيار الفوضى، إلى حين حصول تنازل إيراني في لبنان وإلا فإن المشروع ذاته سيكمل من لبنان إلى العراق فايران، وحينها قد تكون الوقائع مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس بعيداً أن يكون من بينها إعلان حالة طوارئ وتشكيل حكومة عسكرية تستمد شرعيتها من المجتمع الدولي.
كل الاحتمالات مفتوحة على المجهول، فيما الحقيقة المؤكدة أن الحريري خرج ولن يعود، والخطيب مرشح اللهم إلا إذا ألحقوه بمن سبقه وأحرقوا اسمه وقد بدأت المؤشرات لذلك.