استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تحمل معنيين: الأول دستوري، فحواه تنحي رئيس مجلس الوزراء عن إكمال مهامه نتيجة الأوضاع القائمة ما يقود حكماً إلى سقوط الحكومة بكامل وزرائها، والثاني سياسي بامتياز، فالحريري، في الظروف المحددة لاستقالته، قام بما يشبه الإقالة للتحالف الحاكم منذ “التسوية” التي أسفرت عن إيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية وما أعقبها من انتخابات نيابية معلّبة.
الاستقالة تحمل معنى الإقالة لأن الأطراف الذين أقيلوا بفعل تنحي الحريري لم يريدوا هذا الفصل في الصراع الدائر منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية الوطنية في وجه رموز الحكم والنظام. وكان الناطق الاول باسم هؤلاء، الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله واضحاً في رفضه استقالة الحكومة، وهو عندما يعلن موقفاً كهذا فإنه يعبر عن الشريحة الأكبر في تحالف الحكم بل الشريحة الاقوى التي تضم “الحزب” و”التيار الوطني الحر” وحركة “امل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”المردة” و”القوات اللبنانية” قبل استقالة وزرائها.
وقيل بعد موقف نصرالله الكثير في تفسير معنى كلامه، الا أن تحليلاً ساد مفاده أن “الحزب” متمسك بصيغة الحكم هذه، رغم الثورة الشعبية ضدها، لأسباب تخص وضعيته الراهنة في البلد والإقليم، ويفسر جوانب من هذه الوضعية كلام المرشد الإيراني الامام خامنئي هذا الأسبوع، المشكك بانتفاضتي لبنان والعراق…، وعلى أثر خطابات نصرالله ساد انطباع أن الحريري ممنوع من التصرف، بل هو أسير لـ”الصيغة ” التي كرسته رئيساً للحكومة بالتحالف مع عون وبإشراف نصرالله.
لا يتعلق الأمر بصفات الحريري الشخصية، وموقعه ودوره في التحالف الحكومي، أو نظرته إلى الانتفاضة الشعبية العابرة للطوائف، غير أن هذه العوامل وغيرها قادته إلى اتخاذ موقفه بالاستقالة، مع وجوب إعطاء الوزن الحاسم للانتفاضة بالذات.
الانتفاضة فرضت اقالة “التحالف الحكومي” وهي التي توفر الحماية للحريري بمعنى أن لا يكون كبش الفداء الوحيد عن جماعة “كلن”. لقد تأخر البحث في الحكومة الجديدة لدرس إمكانية ابعاد الحريري وربما فرض صيغة مختلفة غير توافقية… ليس ذلك مهماً، فالواضح أن الحساب هو مع البرنامج المقترح ومهلته الزمنية، وهذا ما يقرره اللبنانيون في ثورتهم المعترف بها في كتاب الاستقالة وخطاب الرئيس في السنة الثالثة.