لا تزال زيارة رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري مطلع هذا الشهر الى موسكو، موضع نقاش وقراءات سياسية، وخصوصاً لقاءه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لساعة كاملة في قصر «الكرملين»، فضلاً عن توقيت الزيارة الذي صودف بعد اسابيع قليلة من إعلان روسيا لسحب جزء من قواتها الجوية من سوريا، ووسط كلام عن زيارة مرتقبة للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لموسكو لم يحدّد موعدها بعد.
لغاية اليوم لم يردّ «المستقبليون» على كلّ التحليلات التي وردت لجهة مضمون الزيارة التي وصفت من قبل أكثر من مصدر بأنها زيارة «بزنس». لكنّ هذا الوصف يثير ابتسامة أوساط مستقبلية مطلعة على تفاصيل الزيارة قالت لـ «السفير»: «ليست شغلتنا أن نعمل بزنس في زيارة سياسية بامتياز بمضمونها وبالوفد الذي رافق الرئيس الحريري».
المواعيد التي طلبها الحريري في موسكو كانت قبل الانسحاب الروسي الجزئي من سوريا، وبالتالي ليس من رابط بين الحدثين. كما أن الزيارة لم تأت، بحسب أوساط مستقبلية عليمة، بناء على طلب سعودي وليست لها أية أبعاد مرتبطة بالأعمال لأن لا استثمارات موجودة للحريري في روسيا وقد كان ثمّة مشروع في الماضي في مدينة «سوتشي» على ضفاف البحر الأسود لكن الحريري خرج منه.
وبالتالي، فإن الحفاوة التي استقبل بها الرئيس سعد الحريري تعود الى صداقة شخصيّة قديمة تربطه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي درج على استقباله في كلّ مرّة يزور فيها موسكو، سواء حين كان رئيساً للحكومة أو بصفته رئيساً لكتلة نيابية. وبالتالي لا يمكن إغفال عنصر هذه الصداقة التي تربط بوتين بالحريري والتي عبّر عنها الرئيس الروسي بشكل واضح أمام الحريري والوفد المرافق، معيداً تذكير الحريري بالصداقة التي ربطته بوالده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقال بوتين إن هذه الصداقة التي كانت موضع تقدير انتقلت الى الشيخ سعد.
استناداً إلى ذلك، لا داعي، بحسب الأوساط «المستقبلية»، لربط الزيارة بالعلاقات السعودية الروسية، فالموضوع الذي شكّل طبقاً أساسياً في الزيارة الروسية تمثل في إثارة الرئيس الحريري لموضوع الفراغ الرئاسي المستشري في لبنان، وأهمية إسهام روسيا في حلحلة هذا الموضوع من منطلق صداقتها للبنان ومن حرصها على المسيحيين في الشرق، علماً بأنّ الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا لها حظوة كبرى عند الرئيس بوتين، حيث أن بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل يخاطب بوتين بشكل مباشر وشبه يومي ويزوره بانتظام. وقد شرح الرئيس الحريري المخاطر المترتبة عن عدم انتخاب رئيس لغاية اليوم، ولم يكن طرحه من زاوية ضيقة أو من خلال طرح اسم مرشح معين، بالرغم من التشبث الحريري الواضح بترشيح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية القادر على أن يحظى بنصاب يوصله للرئاسة، إلا أن هذا الأمر لن يحصل بلا موافقة بقية الأفرقاء اللبنانيين، بحسب الأوساط المستقبلية.
وقد لمس الرئيس الحريري من خلال لقاءاته الروسية، ولا سيما مع الرئيس بوتين، حرص موسكو على أهمية إجراء هذا الاستحقاق، وعلى انتخاب رئيس توافقي، أي يحظى بموافقة غالبية الفئات اللبنانية وقادر على مقاربة جميع الملفات مع جميع الأطراف. ولفت المسؤولون الروس الى وجود مخاطر حقيقية على لبنان في حال استمرار هذا الفراغ، ولعلّ الخطر الأول يتمثل بتدمير ما تبقى من مؤسسات دستورية عاملة.
سوريا ومصير الأسد
وحضر الموضوع السوري أيضاً على طاولة المحادثات، حيث تبيّن بأن الروس ماضون بجدية في الحلّ السياسي وهم يعوّلون على مسار جنيف التفاوضي، ويعتبرون أنّه ليس ملائماً لغاية اليوم الحديث عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد. وكانت رسالة حريرية قوية لموسكو في هذا الشأن تفيد بأن «جدية روسيا في محاربة الإرهاب وربحها لهذه الحرب، ليست ممكنة طالما أن بشار الأسد موجود في السلطة».