IMLebanon

الحريري يسعى إلى اجتذاب ٢ إلى ٣ مليارات دولار بمعزل عن “سيدر”

زيارته الإمارات لتحصين شبكة الأمان بعد إثبات الجدية بالتزام المهل والإصلاحات

يسعى رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إخراج المعالجات للوضع الاقتصادي والمالي المترديين، من دائرة التشاؤم والتوقعات السلبية تحت عنوان “الوقت بات ضيقاً” أمام البلد لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية بإمكان الإنقاذ بعد تراكم عناصر غياب الثقة نتيجة إخضاع الحلول العاجلة المطلوبة للتجاذب السياسي، في ظل ظروف إقليمية ضاغطة على لبنان، بالغة التعقيد.
آجال المهلة المعطاة لإطلاق العملية التصحيحية المطلوبة باتت تقاس ببضعة أشهر، تؤشر إليها الفرص التي أعلنت عنها مؤسسات التصنيف الائتماني ولا سيما “موديز” التي أجلت إمكان زيادة التقييم السلبي للبنان إلى كانون الأول المقبل، و”ستاندارد أند بورز” التي ستعلن عن تقديرها لآفاق اقتصاد لبنان أوائل عام 2020.

وإذ كشفت أزمة السيولة بالدولار الأميركي أضرار التأخر في تلبية الطبقة السياسية الإصلاحات كشرط لضخ أموال مؤتمر “سيدر” لإعانة البلد على تحريك الاقتصاد المنكمش الى درجة صفر نمو، ومن أجل تصحيح تدريجي للمالية العامة، فإن بعض المراقبين يسأل عما إذا كان المعنيون في الحكم اقتنعوا بضرورة الإقلاع عن رهن الإصلاحات والإجراءات المطلوبة بطموحات سياسية وسلطوية أو بمصالح انتفاعية تستنزف مالية الدولة، تؤدي في كل مرة إلى خلافات بين أهل الحكم وتأجيل القرارات التي ينتظرها المجتمع الدولي.

كما أن مراقبين يسألون عما إذا كانت التهدئة النسبية على الصعيد الإقليمي، (استبعاد واشنطن وإيران المواجهة العسكرية والهدنة الظرفية في اليمن) بعد موقعة الاعتداء الإيراني على منشآت “أرامكو” الشهر الماضي، تتيح للبنان الإفادة من تراجع حدة التأزم الإقليمي لينفذ بإقرار بعض الإجراءات الداخلية التي تمدد المهل المعطاة للاقتصاد اللبناني.

وتدعو مصادر رسمية إلى عدم رهن ما هو مطلوب من أهل السلطة اقتصادياً، بالوضع الإقليمي سواء كان متأزماً أو هادئاً. فمقابل ما يشبه الهدنة الظرفية المعرضة للاهتزاز في الخليج وعلى الجبهة الأميركية الإيرانية، وبعض المؤشرات في اليمن، يجب عدم الاستهانة بأهمية ما يجري في العراق من انتفاضة تربك السلطة فيها والنفوذ الإيراني، لها بعد إقليمي، لا داخلي فقط. ومن غير المعروف كيف يمكن ان تنعكس على الوضع الإقليمي وبالتالي على لبنان.

مشاريع أبو ظبي خارج “سيدر”

ويقول أحد المقربين من الرئيس الحريري إنه يعمل على تسريع وتيرة تحركه على خطوط عدة. وإذا كانت زياراته الخارجية التي بدأها أمس بأبو ظبي لحضور المنتدى الاستثماري اللبناني الإماراتي، فإن استكمالها في دول أخرى خلال الشهرين المقبلين يهدف إلى تحصين شبكة الأمان الإقليمي حول البلد حيال الحرائق المشتعلة في الإقليم من جهة، وإلى تأمين ضخ أموال فيه لإنعاشه من جهة ثانية. ويشير هؤلاء إلى أنه مع إجراءات التقشف يحتاج لبنان إلى ما لا يقل عن مليارين إلى 3مليارات دولار أميركي في المرحلة المقبلة كمساعدات آنية، بهدف تأمين السيولة المالية ومعالجة الوضع النقدي للتعاطي مع أزمة سعر صرف العملة وشح الدولار الأميركي، وبهدف إراحة المصارف اللبنانية والسلطة النقدية في مصرف لبنان. وتشير المعلومات في هذا الصدد إلى أن هذا النوع من المساعدة منفصل عن التباحث مع الدول الداعمة للبنان حول التمويل الاستثماري لمشاريع “سيدر”. وبالتالي فإن البحث بتأمين الأموال المطلوبة لتحصين الوضع النقدي خلال زيارة الحريري أبو ظبي سيكون منفصلاً عن اجتماعات المنتدى الاستثماري المشترك الذي سيركز على مشاريع من نوع آخر، وسيتم مع السلطات العليا في الإمارات، بينما سيتم البحث خلال المنتدى الاستثماري اللبناني الإماراتي في 3قطاعات رئيسية أبدى الجانب الإماراتي اهتماماً بها في المباحثات التمهيدية للمنتدى هي:

1 – الطاقة المتجددة التي أحدثت الإمارات تقدماً في مجالها. وَمِمَّا أثير في هذا المجال إقامة محطة كبرى لتوليد الكهرباء في منطقة البقاع.

2 -الأمن الغذائي أي في الزراعة والصناعات الغذائية حيث تهتم الإمارات باعتماد لبنان واحداً من الدول الرئيسة لضمان الاكتفاء الغذائي على المدى الاستراتيجي عبر دعم الإفادة من الأراضي الزراعية في لبنان واستصلاح ما يحتاج للاستصلاح منها.

٣ – النفط والغاز الموعود في شواطئ لبنان، إن لجهة التنقيب عنه، أو لجهة إقامة المنشآت والآلية اللوجستية، أو لجهة التخزين والتصدير. ويلفت بعض المشاركين في التحضير للمنتدى إلى أنّ لدولة الإمارات شركات مليئة وصاحبة خبرة قديمة في هذا المجال.

ويقول هؤلاء أن القطاعات الثلاثة المذكورة غير واردة في إطار مشاريع “سيدر” الاستثمارية، وان الاستثمار في القطاعين الأولين سيكون على المدى المتوسط، فيما الاستثمار في القطاع الثالث هو على المدى البعيد. كما أن الجانب اللبناني سيطرح اقتراحات استثمارية في هذه المجالات وغيرها خارج إطار “سيدر”.

ويلفت بعض المطلعين على تحرك الحريري إلى أن ما يحكى عن اتصالات بينه وبين كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية في شأن دعم الوضعين المالي والنقدي، لم يحسم حتى الأمس الصيغة التي قد تساعد الرياض فيها لبنان، هل بوديعة مالية كبرى، أم بشراء سندات خزينة لمصلحة المالية اللبنانية، من دون إغفال أن للمملكة ودول الخليج دور في تمويل مشاريع استثمارية كبرى واردة في برنامج “سيدر”. وترجح مصادر مواكبة لتحرك الحريري خيار تمويل المملكة للعديد من مشاريع “سيدر”، على أمل أن يكون حجم المبالغ كبيراً يرفد مبالغ تأتي من استثمارات دول أخرى. ولن تتضح وسائل الدعم السعودي إلا خلال الزيارة التي سيقوم بها على رأس وفد وزاري الى الرياض لتوقيع أكثر من 18اتفاقاً حول التبادل التجاري والازدواج الضريبي والجمارك وغيرها من البروتوكولات التي تنظم العلاقة الاقتصادية. ومثل مباحثاته في أبو ظبي، ستكون مباحثاته حول سبل دعم المملكة للمالية اللبنانية والوضع النقدي منفصلة عن هذه الاتفاقات وعن البحث في مشاريع “سيدر”. وللزيارة بالطبع أبعاد سياسية في ضوء نظرة المملكة إلى موقع السلطة اللبنانية من الصراع الدائر في المنطقة، خصوصاً أن موعدها سيصادف مباشرة بعد الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض في 14الجاري وإلى أبو ظبي في 16الجاري.

ستلي زيارته السعودية حضوره في برلين في 29و30 الجاري اجتماعاً مع الشركات الاستثمارية الألمانية المهتمة بمشاريع “سيدر”، ويلتقي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حيث سيبحث معها في التمهيد لانعقاد لجنة المتابعة الاستراتيجية المؤلفة من الدول الرئيسة المعنية بـ”سيدر” في باريس في 15تشرين الثاني المقبل، على أمل ان يتم إطلاق بعض المشاريع بتمويل أوروبي بعده.

ويفترض أن يقوم الحريري بزيارة موسكو في أواخر تشرين الثاني أو أوائل كانون الأول حيث سيلتقي بشركات روسية مهتمة بالاستثمار في لبنان، ويجتمع الى الرئيس بوتين.

تسريع الموازنة والمشاريع الإصلاحية

يأمل الحريري أن ترفد زياراته مجموعة من الخطوات المحلية التي من دون إنجازها سيكون موقف الدول المعنية بمساعدته متردداً. وتقول مصادر مواكبة لتحركه أن رئيس الحكومة يتحرك مع الفرقاء اللبنانيين، بموازاة اجتماعات اللجان الوزارية، لا سيما لجنة الإصلاحات ومجلس الوزراء لإنجاز موازنة 2020، للاتفاق معها على الإجراءات التي لم يعد أمام لبنان إلا القليل من الوقت لبدء تنفيذها. وتوضح هذه المصادر أنه بالإضافة إلى لقائه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل الجمعة الماضي فإن فريقه الاقتصادي يقوم بلقاءات مع “حزب الله” ومع فرقاء آخرين بغية بلورة برنامج خطوات متتالية وفق الآتي:

– إنجاز الموازنة بإحالتها قبل 15الجاري الى البرلمان، بحيث يتمكن من إقرارها ضمن المهلة الدستورية مع نهاية السنة، حيث يراقب المجتمع الدولي مدى التزام الحكومة بهذه المهلة. وهذا يوجب تضمين ما يمكن إنجازه من الإصلاحات في متنها والعمل على مشاريع القوانين في الإصلاحات التي يتطلب تحضيرها وإقرارها وقتاً يتعدى المهلة القانونية لإنجاز الموازنة كي تتم إحالتها إلى ما بعد إنفاذ الموازنة.

– التسريع بوضع المشاريع الإصلاحية التي التزم بها لبنان لمواكبة الموازنة والمتعلقة بوضع جدول زمني لتنفيذ إعادة هيكلة القطاع العام وإلغاء مؤسسات عامة لا لزوم لها.

وذكرت مصادر الحريري رداً على سؤال حول ما قيل عن أنّ لقاءه باسيل تناول اتفاقاً على سلة تعيينات إنه بغض النظر عن التعيينات، الأهم أنه حصل اتفاق على تسريع الموازنة لإعطاء إشارة للمجتمع الدولي بجدية السلطة في التزام المهلة القانونية، وباستعمال الإصلاحات ضمن برنامج موازٍ، ووفق جدول زمني واضح يقر في الحكومة والبرلمان.