بينما ينشغل العالم بأسره في احتواء تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتعمل الدّول المعنيّة على تجنّب تأثيراتها قدر المستطاع، يبقى لبنان الاستثناء السّلبي الأبرز في مقاربة ملفّاته الخارجيّة والدّاخليّة.
فمن بيان وزارة الخارجية الذي دعا روسيا إلى «سحب قواتها فورًا من أوكرانيا»، إلى ملف ترسيم الحدود البحرية المرتبط عضوياً بأزمة روسيا والغرب إلى اقرار الموازنة العامّة واستحقاق الانتخابات النيابية، ملفات تربط بينها جميعًا الخفة والاستهتار واللامسؤولية في ظلّ ترقّب العالم لانبثاق نظام عالميّ جديد، مع ما يحمله ذلك العنوان من تحديات كبرى قد تطيح بكيانات وتأتي بأخرى، جغرافياً وسياسياً واقتصادياً..
ومن علامات خلط الأوراق الاقليمية أن يصاب الاتفاق النووي الايراني بنيران «لافروف» الصديق للجمهورية الاسلامية، وليس معلوما إلى الآن كيف سيعاد ترتيب الاتفاق الّذي كان قاب قوسين من التوقيع عليه في فيينا.
وأن يصرّح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلّة «أتلانتيك» الاميركية متحدثاً عن حاجة الولايات المتحدة الاميركية إلى المملكة العربية السعودية ثم يرفض، بعد يومين، الردّ على اتصال الرئيس جو بايدن للبحث في زيادة إنتاج النّفط لتعويض النّقص الذي خلفته العقوبات الغربية على موسكو.
هذه المؤشرات تؤكد مجددا بأن المصالح هي التي تحكم علاقات الدول وأن صراع الكبار يوجب على الآخرين الانتباه إلى أدقّ المواقف والتفاصيل كي لا يذهبوا فرق عملة.
أمّا في لبنان فلا دولة ترعى مصالحها وتحفظ حقوقها، فعدوتنا «إسرائيل» أرسلت رئيس وزرائها ورئيس كيانها إلى كلّ من موسكو وأنقرة للبحث في طريقة للاستفادة، على هامش الحرب، بتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا.
وبدل من أن يسعى لبنان إلى الاستفادة من حاجة الولايات المتحدة و«إسرائيل» إلى ترسيم الحدود والبدء باستخراج النفط والغاز لتحسين شروطه واستغلال الفرصة المؤاتية يتلهّى الفريق الممسك دفّة التفاوض بالشغب على أبواب الانتخابات ويطرح متأخراً «الميغاسنتر» وهو يعلم باستحالة تمريره راهناً، ليس لأسباب تقنية فحسب، بل لأسباب سياسية وحسابات انتخابية لدى بعض القوى المناوئة له، أملًا في تأجيل أو تطيير الانتخابات، الحلم الذي لن يصير واقعاً في يوميات التيار الوطني الحر لاعتبارات داخلية وخارجية تجعل الاستحقاق الانتخابي أمراً واقعاً في موعده الدستوري المحدد.
وعلى هامش الانتخابات أيضاً أجرى الرئيس سعد الحريري اتصالا هاتفيا قبل يومين بالرئيس فؤاد السنيورة وأبدى له انزعاجه من دعوته إلى خوض الاستحقاق النيابي ودخوله على خطّ الشارع «السني» لمحاولة ملء الفراغ الذي تركه تعليق تيار المستقبل عمله الانتخابي، وطلب منه الابتعاد عن جمهور «المستقبل» والالتزام بما أعلنه الحريري بخصوص الانتخابات النيابية.
رد السنيورة كان سلبياً وأصرّ على رأيه في ضرورة عدم ترك الساحة السنية فارغة من قيادة توجّهها ولا يجوز، حسب السنيورة، أن تتقاسم أصوات الطائفة الأكبر في لبنان قوى مختلفة قد يكون بعضها خصمًا لتوجهاتها، في إشارة إلى حزب الله وحلفائه!
مصدر قريب من تيار المستقبل اعتبر أن السنيورة يتحرك بإيحاء خارجي وتنسيق مع القوات اللبنانية، وقال بأن إصرار السنيورة على موقفه قد يستدعي تدخلا مباشرا من الرئيس الحريرى مع المرشحين القريبين من المستقبل لحثهم على الانسحاب واذا استدعى الامر قد يلجأ الحريري إلى دعوة جمهوره ومحبيه إلى مقاطعة الانتخابات النيابية.
وعلى خط العلاقة الباردة بين حركة أمل والتيار الوطني الحر أكد مصدر قيادي في «أمل» على أن تركيب اللوائح في الدوائر المشتركة ينطلق من مبدأ «لا تحالف ولا اختلاف» بمعنى أن الحركة والتيار يسعيان إلى مراعاة بعضيهما البعض من دون الانضواء في لوائح مشتركة خصوصا في دائرتي البقاع الغربي وصيدا – جزين، مؤكدا أن الحركة سترشح «كاثوليكياً» في جزين اذا رشح التيار منافسا للنائب ميشال موسى في الزهراني.
وأكّد القيادي في «أمل» بأنّ الانتخابات النيابية قائمة في موعدها ولا يرى أي مبرّر لتأجيلها ولو ليوم واحد.