الرئيس سعد الحريري في مجلس النواب. هذا هو الإنجاز الوحيد الذي تحقق في الجلسة الـ36 لانتخاب رئيس الجمهورية. نزل الحريري بصفته نائباً في البرلمان اللبناني، للمرة الأولى منذ خمس سنوات. لم يحضر أياً من الجلسات السابقة، كما لم يحضر عندما مُدّد له مرتين.
الحريري عاد في 14 شباط، آملاً أن تتوج هذه العودة بانتخاب الرئيس في 2 آذار. نزل بثقله إلى المعركة، كما لم يفعل قبلاً. تسلّح بترشيح النائب سليمان فرنجية، ساعياً إلى تحويل المعركة إلى معركة نصاب. في جلسة 8 شباط، التي نظمت الأشعار بمصيريتها، كونها أتت عقب خلط أوراق «8 و14 آذار» عبر ترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية وسمير جعجع للعماد ميشال عون، عقب «المصالحة التاريخية» بين «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر». لم يحصل حينها أي شيء يذكر، عدا تخطي عدد النواب المشاركين حاجز الخمسين نائباً، بعد أشهر من الانكفاء، حيث تم تسجيل حضور 58 نائباً.
بالشكل، استطاع الحريري أن يزيد الرقم 14 نائباً، بالرغم من أنه عمل بكل ثقله ليصل إلى نصاب الثلثين. اكتفى بالقول للعدسات التي رافقته لحظة بلحظة داخل القاعة العامة: «صاروا 72 نائباً.. قرّبنا».
بدا فرحاً بالإنجاز الذي تحقق. أمعن النظر بالجدول الذي يحمله النائب عمار حوري، فيما كان الأخير يوضح آخر تطورات الحضور. كان العدد مغبطاً لأعضاء كتلة «المستقبل»، خاصة أنهم يدركون أن الـ72 نائباً هم في الواقع 81، لأن تسعة نواب من «14 آذار» (نهاد المشنوق، عقاب صقر، باسم الشاب، ستريدا جعجع، فادي كرم، إيلي ماروني وثلاثة نواب آخرين) لم يحضروا الجلسة لأسباب مختلفة. وبحسب حسبة «المستقبل»، فإن حضور النائب سليمان فرنجية وكتلته سيضيف 4 نواب إلى العدد، فيتأمن نصاب الثلثين (يعتبر «المستقبل» أن نصاب الثلثين هو 85 نائباً وليس 86، كما صار متعارفاً عليه).
لا أحد بوارد الدخول في نقاش النصاب لأن الجميع مقتنع أن زمن الانتخابات الرئاسية لم يحن بعد، وبالتالي فإن تأمين حضور ثلثي عدد النواب، سيكون بلا طائل، خاصة في ظل غياب «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وحتى لو ذهب «المستقبل» في الصراع حتى النهاية، وهو على الأرجح لن يفعل، فإنه سيكون بديهياً أن يتغيب أي من أعضاء «كتلة التنمية والتحرير»، لأي سبب كان، على ما يتوقع أحد النواب.
بالرغم من كل ذلك، أصر الحريري على تسجيل موقف مبدئي يشهره بوجه «المعطلين» الذين تغيبوا عن الجلسة، ومنهم حليفه الجديد ومرشحه الذي نزل «كرماله» إلى المجلس، فيما تغيب هو لأنه جزء من «8 آذار» ولأن «نزولي إلى المجلس يمكن أن يعقد الأمور بدل أن يسهلها»، كما سبق وأعلن.
ولان الانتخابات الرئاسية صارت أحجية، لم يكن مستغرباً أن يقول فرنجية أمس الأول إنه يؤيد النزول إلى الجلسة «لكن لبنان ليس بلداً ديموقراطياً أوروبياً». حدود رد الحليف كان عتباً متفهماً، مع التأكيد أن موقفه من ترشيح فرنجية لن يتأثر بغيابه، بل على العكس «سأتمسك بسليمان فرنجية أكثر، وإذا كان أحد قد ذهب تفكيره الى مكان آخر فأنصحه بأن لا يذهب». لكن هذا الموقف، لم يمنع النائب سامي الجميل من دعوة الكتل النيابية إلى إعادة النظر بموقفها، بعدما تأكد أن «الثلث المتغيب عن الجلسة يأخذ لبنان رهينة ويخطف الدولة ويقول للبنانيين إما أن يحكم أو لا مؤسسات».
في سياق الأحاجي، أكمل النائب وليد جنبلاط تغريداته من مجلس النواب. قال بداية، عبر «تويتر»، «ستفتتح اليوم جلسة من جلسات العمر في المجلس النيابي، الجلسة 36 للسيمفونية غير المنتهية لانتخاب رئيس جمهورية للأوركسترا والكمان لصاحبها عبد اللهيان، تتخللها سحبات أوبرا للتنور الشهير هنري حلو وفرقة اللقاء الديموقراطي». ثم أعلن في المجلس أنه «يبدو ان نتائج الانتخابات التي جرت في ايران لم تصل بعد عند الأستاذ عبد اللهيان ولسبب بسيط، ربما كان الاستاذ عبد اللهيان هو محور هذه الشغلة من المحافظين، ويمكن ان تكون الدورة الثانية في انتخابات ايران قد تغير عبد اللهيان أو يمكن ينفرج».
غضب جنبلاط على عبد اللهيان ساهم في كسر قاعدة التصريح من قاعة المؤتمرات الصحافية، تجمع حوله الصحافيون، فيما كان النائب أحمد فتفت قد حجز مكانه أمام الكاميرات، منتظراً إشارة البدء من المصورين. لم يكن على علم بأن الحريري سيتكلم هو الآخر، وعندما عرف اكتفى بالقول «وإذا كان». انتظر الحريري خارج القاعة، فيما عيون المرافقين تطالب النائب المستقبلي بإنهاء مؤتمره. لم يتأثر فتفت بالفوضى التي رافقت وصول الحريري. أصر على الرد على خطاب السيد حسن نصر الله. فأشار إلى أن «تطمينات السيد نصرالله خادعة.. وينطبق عليها القول أريد أن أتمسكن في الداخل لكي أتمكن إقليميا، وعندما يتمكن حزب الله إقليميا فإنه سيعود الى الداخل اللبناني ليفرض هيمنته ويرتد الى الداخل كحزب واحد شمولي».
بعدما أنهى فتفت كلمته دخل الحريري. التقيا على باب القاعة، قال الحريري لعضو كتلته مبتسماً «خربتها»، فلاقاه الأخير بابتسامة.
بدأ الحريري كلمته هادئاً. لا أحد يذكر تاريخ آخر مؤتمر صحافي عقده من ذلك المكان. لم يتعرض بداية إلى «حزب الله». اكتفى بالقول إن «الحضور في جلسة اليوم (أمس) كان قريبا للنصاب القانوني»، آملاً أن «نتوصل في الجلسة المقبلة الى انتخاب رئيس للجمهورية وأن يحضر النواب الذين غابوا وأن يمارسوا حقهم الدستوري». كما دعا النواب إلى «أن لا يتركوا هذا الفراغ الذي يقتل لبنان كل يوم».
عندما بدأ بالإجابة عن الأسئلة، تخطى موقف فتفت. تصاعدت لهجته تصاعداً ملحوظاً، إلى أن قال إنه يصنف أعمال «حزب الله» في سوريا واليمن «بالأعمال الإجرامية وغير القانونية، وحتى اني أصنفها بالإرهابية ايضاً». لكنه، سريعاً، ميز بين «حزب الله» في الخارج و «حزب الله» في الداخل، مؤكداً أنه «سنتعاون مع حزب الله ومع الجميع لتحصين الداخل».
عملياً، لم تحد الجلسة عن سياق الانتخابات الرئاسية الذي يرافق الجلسات منذ نحو سنتين. ربما كانت الجلسة فولكلوراً، على ما قال الوزير الياس بوصعب، لكنها لا شك كانت الأكثر حضوراً منذ جلسة الانتخاب الأولى، والأكثر حيوية بوجود الحريري العائد، والذي أعلن رداً على سؤال أنه لن يغادر لبنان بعد الجلسة، كما أشيع، لا بل سيشارك في الجلسة التي حدد الرئيس نبيه بري موعدها في 23 الجاري «بالطبع سأحضر، وأنا باق هنا».