سياسة
حصر سعد الحريري خطابه للمتجهمرين بضرورة منح الصوت التفضيلي لـ«بهية» (علي حشيشو)
أنهى الرئيس سعد الحريري واجباته في صيدا. غادر مدينته تاركاً إياها، انتخابياً، بعهدة عمته بهية. في زيارته، أمس، لعاصمة الجنوب، لم يحصر برنامجه بدارة عمه أو عمته. وجد نفسه مضطراً إلى القيام بسياحة انتخابية في طول المدينة وعرضها
سرق الجمل الأزرق الوهج من الرئيس سعد الحريري قبل ساعات من وصوله إلى صيدا ضمن جولاته الانتخابية في معظم الدوائر التي تشهد حضور لوائحه. عند مدخل مسجد بهاء الحريري عند دوار مكسر العبد، تجمع مناصرون للحريري منذ ساعات الصباح. جمعوا رؤوس الأغنام بعد طليها بالصباغ الأزرق. أرادت منسقية صيدا بذلك أن تكون احتفاليتها مختلفة عن باقي منسقيات لبنان. فجأة، وصلت شاحنة صغيرة، تبين أن في داخلها ناقة قُيِّدَت قوائمها بالأربطة وصُبغت باللون الأزرق، تمهيداً لنحرها لحظة وصول الحريري. مشهد إعياء الناقة التي انتظرت طويلاً تحت الشمس الحارقة، أشعل مواقع التواصل الاجتماعي تنديداً بطريقة التعامل معها. وبرغم أن المكتب الإعلامي للحريري أصدر مساء بياناً «دعا فيه المواطنين إلى الرفق بالحيوان والتعبير عن عاطفتهم تجاهه بوسائل أخرى»، لكن الناقة والخراف لم تفلت من النحر كرمى له.
«سقطة الجمل» لم تكن المؤشر السلبي الوحيد لزيارة الحريري لمسقط رأسه. قبل يومين من زيارته، بادر مفتي صيدا الشيخ سليم سوسان إلى الاتصال بالمشايخ وأئمة المساجد في المدينة لدعوتهم إلى استقبال الحريري ومشاركته الصلاة في مسجد البهاء. إلا أن معظمهم (وهم من المنتمين إلى الجماعة الإسلامية والجو الإسلامي المتشدد أو من الفلسطينيين المحسوبين على حركة حماس) اعتذروا عن عدم الحضور. بعضهم برر تغيبه بالتزامه حضور الاحتفال التضامني مع فلسطين الذي نظمته الجماعة و«حماس» بالتوقيت ذاته في مسجد الحسين في صيدا. ألغي استقبال البهاء والصلاة واستعيض عنهما بأن يقرأ الحريري الفاتحة على ضريح جده المدفون في حديقة المسجد الذي سُمي المسجد باسمه. تأخر الحريري عن موعده نحو ثلاث ساعات. اقتصر استقبال المشايخ على سوسان وشيخ صيداوي ومفتي حاصبيا الشيخ حسن دلة.
وقبيل وصول الحريري، استوجبت الزيارة إجراءات أمنية مشددة في الشوارع الرئيسية من الكورنيش البحري باتجاه ساحة النجمة والأوتوستراد الشرقي، صعوداً نحو مجدليون. أخرج الطلاب باكراً من مدارسهم الرسمية والخاصة وأزيلت السيارات عن جوانب الطرق ووضعت قواطع حديدية، ولا سيما في شارع رياض الصلح حيث تتمركز المصارف والسوق التجاري، ما أدى إلى انعدام الحركة التجارية طوال نهار أمس. بالتزامن، كانت بلدية صيدا تتحول إلى مركز انتخابي لـ«المستقبل». رئيسها محمد السعودي وجه دعوة عامة إلى استقبال الحريري. في باحة القصر البلدي في ساحة النجمة، استحدث منبر اعتلاه كل من السعودي والحريري يحيط بهما أعضاء لائحة «التكامل والكرامة» في دائرة صيدا – جزين، التي تترأسها النائبة بهية الحريري. علماً بأن المجلس البلدي الحالي نتاج تحالف بين «المستقبل» وعبد الرحمن البزري (يمثله عضوان) والجماعة الإسلامية (ممثلة بثلاثة أعضاء). الحليفان الأخيران انفضّا عن «المستقبل» واجتمعا في لائحة منافسة مع التيار الوطني الحر. اهتمام البلدية أظهر أن زيارة الحريري الأولى جزء من واجباته كرئيس حكومة. لكن الأخير حصر خطابه للمتجهمرين بضرورة منح الصوت التفضيلي لـ«بهية». حتى إنه لم يستذكر وجود شريك صيداوي لعمته عن أحد المقعدين السنيين في صيدا، هو المرشح حسن شمس الدين الذي وعد في البداية بأن ماكينة «المستقبل قادرة على توزيع الحاصل الكبير الذي سيحصل عليه التيار في صيدا عليهما».
المناصرون الذين حضروا من إقليم الخروب بالباصات، لم ينقذوا المشهد
استحضر السعودي طيف الرئيس رفيق الحريري الذي حلّ في المكان ذاته عامي 1994 و1996 كرئيس حكومة في إطار إنمائي. علماً بأنه زار صيدا في مهمة شبيهة بمهة نجله عام 2004، عندما وصلته مؤشرات عن احتمال خسارة اللائحة الزرقاء في الانتخابات البلدية بوجه اللائحة المدعومة من التيار الوطني وأسامة سعد. حينها، حضر الحريري الأب في مهمة إنقاذية لمؤازرة شقيقته بهية. لكن الفارق بين المهمتين نقاط عدة، أبرزها أن الحريري الأب كان في أوج نفوذه السياسي والمالي والشعبي بخلاف نجله المتخبط في مسار طويل من النكسات من أزمة «سعودي أوجيه» إلى إجباره على الاستقالة من الحكومة. برغم نفوذ الحريري الأب، هزمت لائحته أمام لائحة سعد. فهل يستطيع «المستقبل» بوضعه الحالي، تفادي الضربة المرجحة بخسارة المقعد النيابي الثاني في صيدا.
الحشد القليل نسبياً الذي استقبل الحريري في ساحة النجمة، لم يختلف كثيراً عن الحشد الذي لاقاه في حديقة فيلا عمه شفيق الحريري وسط المدينة. المناصرون الذين حضروا من إقليم الخروب بالباصات، لم ينقذوا المشهد. في خطابه الثاني، كرر الحريري شكاوى عمته من أنها «محاصرة وضحية مؤامرة لتسكير بيت الحريري السياسي». كمن يملي على تلاميذه، أعاد مراراً القول: «الصوت التفضيلي بدكن تعطوه لبهية» و«بهية مش لوحدها» و«صيدا وفية لوصية رفيق الحريري». لكن ما قد يرتدّ عليه سلباً، اعتباره أن اللوائح المنافسة «لا تشبهكم ولا صيدا وجزين ومن يحاصر بهية يحاصر أهل صيدا وجزين وكل الشرفاء فيها». فهل مناصرو الجماعة والبزري وسعد لا يشبهون صيدا؟
رمى الحريري تعهدات انتخابية عدة مشابهة لما تعهد به في المناطق من دون أن يخص صيدا بإحداها. في زيارة محاولة رفع الحاصل الانتخابي، لم تستقر بهية في مقعدها. خلال خطاب الحريري، كانت تروح وتجيء وتتكلم إلى مجموعة وتسلم على أخرى، ما اضطره إلى الطلب منها: «عمتي اقعدي. على شو حايصة؟». لم تجلس العمة طويلاً. سرعان ما صعدت إلى المسرح لتشارك بخطاب الحريري بعبارة: «صيدا كبيرة وغداً سوف تكبر أكثر».
ختام الزيارة التي اعتبرها البعض مسك الجولات الانتخابية، كان مغلقاً في دارة مجدليون. حددت سيدة القصر مواعيد لمفاتيح انتخابية وفعاليات محددة ومجموعة من أهالي سجناء أحداث عبرا والموظفين المصروفين من «سعودي أوجيه». عضو لجنة تحصيل حقوق المصروفين جمال العاصي أكد لـ«الأخبار» أن اللجنة لم تتلقّ دعوة رسمية لحضور اللقاء مع صاحب الشركة، بل اختير أشخاص بعينهم من الموالين لاستخدامهم إعلامياً قبل الانتخابات. يعوّل «المستقبل» على مفعول لقاءات «جبر الخواطر»، إذ كرر الحريري في خطابه عبارة: «ما في محل للزعل… لشو الزعل؟».