الرئيس فؤاد السنيورة في شهادته امام المحكمة الدولية، استرجع تاريخاً أسود للوصاية السورية في لبنان، لا سيما ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري. واذا عدنا إلى شهادات أخرى كالتي أدلى بها مروان حمادة وباسم السبع وغازي يوسف وغيرهم، قد تتكامل هذه الجدارية المرعبة، للنظام الأمني السوري ولرديفه حزب إيران. ونحن الذين كانوا خارج تلك التفاصيل الكابوسية التي كان غازي كنعان ورستم غزالي وجهازهما المخابراتي والسياسي يمارسها لا نستهول فقط مدى الارهاب بكل أشكاله، الذي كان يتعرض له الشهيد الحريري بل تحس وانت المتابع للفظاعات وتعجب كيف استطاع الرئيس الحريري احتمالها، وتلقيها.
أي قوة فيه على الصمود، مكّنته من تحمل كل الأذى والتهديد والاهانة والسفالة، والابتزاز. كأنما القوة الداخلية التي جعلته «يواجه» نظاماً جعله فريسةً دائمة لمرماه وسهامه ليُخضعه ويروّضه، وليطوّعه وليسحق فيه كل محاولة حتى للتفكير بحرية والاحساس بحرية والعمل بحرية ولو نسبية، حتى في أدنى مستوياتها. كل هذا الارهاب انصب على رجل واحد ، فأحس النظام المجرم، بأن الحريري «عصيّ« عليه وانه تجاوزاً لكل هذا الاحتمال صمد من اجل تحقيق الاصلاح والاعمار في لبنان عن طريق «الحيلة» أو «المواربة». وقد استخدم بشار الأسد ومن حوله في لبنان (حزب الله) كل الأساليب الارهابية لقتل الروح الوطنية، روح الحريري، وروح المبادرة لتحويله مجرد أداة لا حول لها ولا حيلة. هذا ما فعل آل الأسد (هذه العائلة التي جعلت الاجرام موروثاً) مع الشعب السوري على امتداد اربعة عقود وأكثر، لتسوّيهم بالاشياء والدمى والمتاع. شعب كامل اختار تحت ضغط الترهيب والقتل والزج في السجون والمجازر والتعذيب الصمتَ، الصمتَ السلبي حيث كل «تمتمة» أو همدرة، وأي احتجاج أو شكوى كانت تعني القمع والموت. وهي الأساليب نفسها التي مارسها نظام الاسد على اللبنانيين. فاغتال الشخصيات «النافرة» باعتراضها والمتوارية باحتجاجها. ليصفيها واحداً واحداً من كمال جنبلاط إلى سليم اللوزي، إلى رياض طه، إلى الشيخ حسن خالد، وإلى مهدي عامل. والدكتور حسين مروة وسهيل طويلة والرئيس رينيه معوض… وصولاً إلى الحريري، وبعدها إلى شهداء 14 آذار.
عندما روى الزميل باسم السبع كيف تناوب على الحريري في لقائه الأخير مع الرئيس السوري (الذي صار مختاراً أو بواباً لقصر المهاجرين) بشار ومحمد مخلوف، وغازي كنعان واللص رستم غزالي، وأمطروه بالإهانات والشتائم والتسفيه والتحقير والتصغير. كاد الحريري (كما يروي السبع) أن ينهض ويغادر، ولكنه بقي وسط هؤلاء الوحوش، الوحوش الذين رصدوه في مختلف مراحل حكمه في مجلس الوزراء: كان يجلس إلى الطاولة الواحدة مع وزراء مخبرين وقتلة ولصوص وعليه أن يتحملهم. وعندما قبل الحريري التجديد «للوديعة السورية» الغالية اميل لحود، اختار في الوقت ذاته الانخراط في «الصوت»… أقصد كان أمام خيارين: اما الانسحاب فيؤمن راحته من كل هذا الذل، أو يختار «الصرخة» مع من كانوا قد بدأوا يعارضون بصوت عال الوصاية السورية. فعندما يصبح كل شيء غير محتمل، يُحتّم علينا ان نختار إمّا الحرية بالانسحاب، او الحرية بالمواجهة. وهذا ما فعله الحريري. كان «أسيرَ« عليه مغادرة لبنان وترك الأمور لمصائر الثنائي البعثي الايراني وترك شعب كامل يخضع لقمع هؤلاء، ومغادرة البلاد إلى بلاد الله الواسعة، لكن امراً واحداً رده هو «الولاء« للبنان. الشغف بلبنان، انقاذ لبنان. نصحوه بالترك بالسفر او الابتعاد: هزه ولاؤه المطلق للبنان، لارضه، وناسه ومدنه وبيروته وبؤسهم وشقائهم ومعاناتهم. فهو عانى جزءاً مما عانوه فأحس بكل جروحهم. فليتحملْ من أجلهم ومعهم بما زود من طاقة وينضم إلى المعارضة. انها اللعبة المزدوجة التي تكهنها «حزب سليماني» وصحافة «حبيب مجاعص» والنظام السوري. انخرط في الجماهير، وكان له النصر في الانتخابات. وتمرد على ارادتهم . انها البوابة التي اقتحم عبرها بجماهيره الديموقراطية المباشرة . «إذاً تمرد الحريري علينا، إذاً أفلت من إرهابنا: فليُقتلْ«. فهؤلاء ليس عندهم سبل للمواجهة غير القتل. من خامنئي «وزغاليله» في لبنان، إلى الأسد ولصوصه وقتلته في سوريا ولبنان. لكن بين المرحلة الأولى والثانية، اي بين الخيارين لم ينس هذا الرجل المدني الانساني الاهانات التي رمته بها «عصابة الاربعة»: بشار ومحمد مخلوف ورستم غزالي وغازي كنعان. «أدمت قلبه» جرحته في عز كبريائه في عز كرامته.
[ الدمعة
وهنا بالذات، تسيل دمعة الحريري على كتف السنيورة (كما روى في شهادته) «بكى على كتفي» انها الدمعة الغالية» التي لا يذرفها سوى الكبار بنفوسهم وشفافياتهم. لكن هذه «الدمعة» لم تكن اشارة للقبول او لطأطأة الرأس. سالت من عينيه إلى صدره. الى جسمه. والى المنزل. والمدينة والبلاد: دمعة شقت طريقاً إلى المواجهة. وما اروع الدمعة عندما تصبح طريقاً للتمرد: لأن اسوأ ما في التلقي هو العجز عن الخروج من التمرد وعندها يصبح العجز عدوى (كما كانت في سوريا ولبنان ايام الوصايتين) ووباء. او يستمر في الخضوع ويصبح باباً من ابواب التواطؤ. انها الدمعة- الصرخة، العالية. المدويّة. ويبدو ان النظام السوري الذي عاد هو ايضاً لا يحتمل الحريري و«معاندته» و«خطره عليه مباشرة» لم يكن وحده كما يروي الرئيس السنيورة بدقة بل كان حزب الله مشاركاً أيضاً الذي «حاول« قتل الحريري ليس مرة واحدة بل مرات حتى «نجحت» المؤامرة اخيراً…. واستشهد الرئيس وصارت الدمعة الصرخة، ضوضاءَ وطوفاناً من الصراخ وملايين العيون المفتوحة التي اختارت في النهاية المواجهة بدلاً من الصمت السلبي او الصمت الخجول. صارت الصرخة جماهير. وأطفالاً. ونساء وميادين وشوارع وطرقات. عاد العلم اللبناني ليرفرف بألوان نقية. عاد «لبنان اولاً» كما اراده الحريري، وحلم به، واستشهد من اجله. كيف يمتزج الدمع بالدم والصرخة بالحياة والكلمة بالفعل والمواطن بالشارع. هكذا، حفرت دمعة الحريري دروباً، للتصدي لطغاة ايران وطاغية سوريا وأذنابهما في لبنان.
[ المحكمة
اليوم تستحضر المحكمة هذه التواريخ والاحداث والصور الارهابية لبشار وخامنئي لتتلمس اكثر الخلفيات السياسية وراء استشهاد الحريري: الواحد بعد الآخر. من مروان حمادة (الشهيد الحي) الى غازي يوسف إلى باسم السبع فالرئيس السنيورة… ها هم وكل من خلال تجربته وصداقته مع الحريري وبمعاناته يروي تلك الفصول الابوكاليبسية المرعبة امام المحكمة بالتواريخ والتوثيق والوقائع التي أسرها إليهم الحريري، كرفاق وأصحاب، والتي شهدوها. واللافت، من ذكرياتهم، أن الرئيس الشهيد، بعدما قابل بشار للمرة الأولى، قال لباسم السبع «الله يعين الشعب السوري، يحكمه ولد». فكأنه اختصر كل ما جرى ويجري في سوريا اليوم وكل الربيع الدمشقي، وكل حلقاته. فالدمعة التي ذرفها الحريري وصارت «ثورة الأرز» (ما أجمل الأرزة عندما تقطر على أغصانها دمعة غالية) هي كتلك الدموع التي ذرفها طويلاً الشعب السوري، تحت القمع، والإذلال، والخضوع، والقتل، والسجون… ذرفها طويلاً وتفجرت: صارت عاصفة غضب، هبت من درعا وأدركت كل سوريا. وكأن الشعب السوري اهتدى إلى حد كبير مسار ثورة الأرز: أي الجلجلة التي تقود إلى القيامة «عندما يُصبح كل شيء غير محتمل لا نعود نختار الحرية بالصمت أو بالهرب، بل بالمواجهة». وها هي سوريا اليوم، بلا رئيس فعلي ولا جمهورية، ولا سيادة، ولا حدود، ولا نظام. كأنها تحققت «نبوءة» الحريري: «الله يعين الشعب السوري»، فكل الطغاة «أولاد» في النهاية، يخلطون بين صورتهم المتوهمة عن أنفسهم وبين حقيقتهم، وكلهم يبلغ منهم الجنون بتصور أن الله أرسلهم إلى الأرض لإنقاذ الشعوب.. هتلر قالها في آخر أيامه «الله أرسلني لكي أنقذ الشعب الألماني». إنهم المنقذون بمراتب الآلهة والقديسين. لكن هذه الثورات والأحداث الأخيرة، أعادتهم إلى أحجامهم الحقيقية: مجرد قتلة ولصوص وعملاء وجبناء بأزياء رسمية. وكلنا يتذكر كيف كانوا يحيطون أنفسهم بـ»الابهة»: ملابس مميزة، عسكرية أو مدنية، طقوس السجاد الأحمر، القصور، الأوسمة المعلقة على صدور جنرالات لم يربحوا معركة واحدة. والتصويت لهم بالبصم بالدم. الأغاني الممجدة. الصحف الموالية المؤلهة. كل هذه الطقوس توهم الناس باستثنائية هؤلاء، وبعلو «كعوبهم» و»بذكاء» جزماتهم، وعبقرية قبعاتهم.
ولا ننسى التماثيل المنتشرة في المدن، وصورهم البهية الموزعة حتى على جدران المراحيض. كل ذلك كأنما كان «إرهاباً» دعائياً: قوة «الهيبة» وعظمة الخيلاء. ونتذكر منهم القذافي وعلي صالح وبشار الأسد وبن علي. عادوا إلى أحجامهم. من الظهور «المدوي» إلى الاختفاء المجهول، أو الانخلاع.
[ تحطيم الصورة
هذه المحكمة الدولية بالذات جزء من تحطيم تلك الصورة المفخّمة لبشار الأسد الذي صار جزءاً مما هو عادي، وأقل من عادي. لم يكن عنده الوقت الكافي لنصب التماثيل له، لكن الصور ملأت كل الحيطان وحتى المنازل. إنها المحكمة التي رفعت الحريري أكثر وأكثر وأنزلت هؤلاء الطغاة إلى أسفل كواليسهم وبشاعتهم وقذارتهم ظهرت بكل رعبها. الطغاة أناس استثنائيون؟ نعم! لكن بنزعاتهم الإجرامية ولصوصيتهم. وعندما خرجت الشعوب العربية في ربيعها، خصوصاً في المراحل الأولى (قبل أن يحول بشار الأسد، ومن ثم داعش، الثورة السلمية إلى حرب طائفية). كانت التعبير الأقصى عن اختيار المواجهة وما زال حتى الآن.
[ المطالعة
مطالعة السنيورة، الدقيقة، المتابعة، الحريصة على الحقيقة، والقريبة، والحميمة مما كان يتعرض له الحريري، تجاوزت كل حدود من «الخوف«، ومن الإرهاب الإعلامي الذي رشقه به مرتزقة إيران والنظام السوري، باستعادتهم أسطوانة اتهامه بالعمالة لإسرائيل وأميركا (إسرائيل هي التي دعمت الأسد، وكذلك أميركا… خصوصاً عندما أعطتتا الضوء الأخضر لحزب سليماني بإنجاد النظام السوري) وهما معاً مكنا إيران من الهيمنة على العراق، والحوثيين في زحفهم في اليمن. عملاء إسرائيل «السريون»، والمكشوفون يتهمون السنيورة بالعمالة، ولو كان كذلك، لكان عميلاً لهم ما داموا هم عملاء لإسرائيل.
إذاً الحملة التي نظمها الحزب والمخابرات السورية، للتهويل على السنيورة، لمنعه من الإدلاء بمعلوماته الثمينة، والتي تمسهم بالذات، فشلت فشلاً ذريعاً، بل كل شيء جاء عكس توقعاتهم. كأن السنيورة استمد تلك القوة الخارقة من الحريري، على «التحمّل»، وعلى المعاندة، وعلى تحطيم أساليب هؤلاء الإرهابية. جاء عكس ذلك تماماً: وأكثر مما توقعنا. وأعمقَ مما انتظرنا. وأعرفَ مما عرفنا.
[ الطاقة المتفجرة
إنها الطاقة عندما تتفجر تجرف كل العوائق وكل المخاطر. على المنصة كان السنيورة، وقبله باسم السبع، بحسه اللاذع والصائب، وكذلك مروان حمادة، هؤلاء لو لم يتمتعوا بطاقة وطنية جبارة، لما كانوا أصلاً «تمردوا» على الوصايتين السورية والإيرانية، عندما كان يعزّ التمرد. كأنه الشفاء التام من «الخضوع»، والقبول، والصمت والمواربة. إنه زمن الاختيار الحاسم. وهذا ما صنعه رفيق الحريري. إنها الدرب التي تبدأ بصرخة وتنتهي بثورة. وهذا ما فعله السنيورة، عندما اختار المضي إلى النهاية في اختيار الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة في شهادته في المحكمة، بعد كل حملات التخوين، والتهديدات والاتهامات والتهويل والترعيب: كل هذه الأساليب باتت وراءنا قالها السنيورة واحتل المنصة. كل هذه الأساليب صارت من إرث الماضي عندما «خرج» الرئيس الحريري على الصمت، وخرج لبنان كله بعد استشهاده.
[ إنجازات المحكمة
إن ما تشهده المحكمة منذ سنوات عدة، من شهادات ومن كشف حقائق، على العلن، وأمام أبصار الطغاة دليل على ما فعلت ثورة الأرز، و»نهج» رفيق الحريري، فالمحكمة أصلاً من أهم الإنجازات الجماعية. الإنجازات الشعبية. الإنجازات الثقافية، والخصوصية، والمدنية. وقد رأى هؤلاء بعيون زجاجية أن ما يجري على الشاشات من وقائع، لم يسبق أن عرفوه، ولا تصوروه، في محاكم التفتيش البعثية، والفارسية، التي ليست سوى أداة سياسية في أيدي خامنئي، والحرس الثوري، والباسيج… هؤلاء الذين هددوا السنيورة، لم يتعودوا لا الحقيقة ولا العدالة ولا القانون ولا فصل السلطات: إنهم، مع طغاة الأنظمة لم يكونوا سوى «خارجين على القوانين»، وعلى منطق الدولة، والمحاسبة، والعقاب. فلمَ لا يشوهون المحكمة: صناعة إسرائيلية أميركية، وكل من يشهد فيها هو إسرائيلي «يتآمر» على المقاومة المزعومة والمرحومة، وعلى ممانعة نظام البعث خصوصاً في الجولان. أبلسة المحكمة الدولية لا تخرج عن مفهوم العدالة والقوانين. ولم يكرهوها فقط ويلعنوها لأنها تعيد رسم الحقائق، وكشف قتلة الحريري، بل لأنها بالنسبة إليهم «جسم» غريب كوكبي، «مريخي»، لم يسبق أن لمسوه أو عرفوه. ولهذا فإنهم يعيشون «غربة» و»استغراباً» وكراهية لهذا الكائن المسمى «محكمة»، والذي فضح أنظمتهم، ومحاكمهم، ومحاميهم وقضاتهم! ولأنهم يحتقرون كل حرية، فلقد كرهوا الحرية التي تمتعت بها المحكمة. فالمحكمة، في النهاية، هي المكان الأرفع لممارسة الحرية. فما بالك إذا كانت هذه الحرية تصيب المجرمين في مقاتلهم، وتُعرّيهم، وتفضحهم، وتسعى إلى معاقبتهم. والحكم العادل يعني تثبيت التهم بتصفيتهم الحريري ومن بعده الشهداء. إنه حزب الله الذي لا يعرف لا معنى الدولة، ولا الديموقراطية، ولا البرلمانية، ولا القانون، ولا يعترف بها، ها هو يشرئب: إنها محكمة إسرائيلية! فإذا كانت المحكمة الإسرائيلية على هذا الشكل، فماذا نسمي محاكم التفتيش في إيران، والسجن الاعتباطي، وفرض الإقامة الجبرية على اثنين من الذين ساهموا بتأسيس الجمهورية الإسلامية. وعندما تظهر المحكمة على هذه الشاكلة، فمن الطبيعي أن يسمي الحزب كل ما هو غريب عليه «إسرائيلياً» أو شيطانياً، أو عدواناً وظلماً (فإقرار العدالة ظلم بحقه! رائع! يا من حررتم الجنوب اللبناني تحت أمرة ولاية الفقيه. فهؤلاء الذين لم يتعاملوا سوى مع القتلة، والطغاة، والاستبداديين كيف لهم أن يفهموا أو يقبلوا ما يجري في وقائع المحكمة من أصول وأعراف. فهؤلاء الذين لم يعرفوا سوى العمالة، منذ نشوئهم وحتى الساعة، كيف لا يرون كل وطني، وسيادي، وحرّ عميلاً! والذين تربّوا على الخضوع والطاعة كيف لا «يحتقرون» الذين تمرّدوا عليهم. إنها سرهم أو بوحهم وقسماتهم. بل كيف من تعودوا ألاّ يقولوا «لا» لأوصيائهم، يمكن أن يتحملوا هذه اللاءات الضخمة المدوية في الشارع وفي الصحف والشاشات: قالت إحدى الصحف اللبنانية بعد شهادة السنيورة في اليوم الأول إنه لم يتجرأ حتى على ذكر حزب الله، أو اتهامه. لكن خاب ظنها في اليوم التالي عندما روى الرئيس السنيورة كيف بكى الحريري على كتفه وقال له أن حزب الله (الذي يموّل هذه الصحيفة من جيوب الشعب الإيراني) حاول قتله مرات عدة!! أف! نسي هؤلاء الصحافيون أن 14 آذار وقبلها الحريري، خرجوا من مرحلة الصمت، والخوف… إلى المواجهة! والدليل أن محاولات الحزب الإلهي لاغتيال النائب بطرس حرب وسمير جعجع… زادت من طاقة مواجهة هؤلاء المرتزقة. وهذا لا يستطيع «فهمه» كل عميل أو مرتزق، لأنه «خارج» مهنته الإعلامية، وكأن السنيورة، رجل الدولة المرموق، استمدّ من تحدي «الواقع«، وإلحاح الحقيقة، ومن تهديدات هؤلاء «الجبناء» قوة جديدة: فلمع في مقارباته، وأجوبته الدقيقة، ومراجعاته. لمع لأنه مع سواه، من «مقاومي» مخططات خامنئي الإمبراطورية القائمة على القتل والدم، قد اختاروا، قبل سنوات، الحرية المعلنة، والصرخة العارمة!
أما هؤلاء القتلة وبضاعتهم الإعلامية المنتنة، وأسلحتهم المأجورة، فقد بدوا للمرة الأخيرة، خارج التاريخ، يسعون، بأمرة الولي الفقيه، إلى ممارسة الخيانة، بكل إيمان، وتقوى، وإجرام.