لم تأتِ رئاسة الجمهورية في لبنان يوماً إلا على حافة الخطر وعلى مشارف حرب داخلية أو إقليمية أو عالمية:
هذا الواقع لم يتبدَّل منذ الرئيس الأول للإستقلال وحتى اليوم:
فالرئيس بشارة الخوري، الرئيس الأول للإستقلال، جاء في ظلِّ الحرب العالمية الثانية التي كانت في أوجِّها.
الرئيس اللواء فؤاد شهاب جاء إثر ثورة.
الرئيس الياس سركيس جاء في خضمِّ حربٍ داخلية تَداخَل فيها العنصر الخارجي مع الداخلي.
الرئيس أمين الجميل جاء فيما الإجتياح الإسرائيلي بلغ العاصمة بيروت.
الرئيس الياس الهراوي جاء إثر حربين.
الرئيس ميشال سليمان جاء إثر فراغ.
***
هكذا لم تكن الرئاسة يوماً ترفاً سياسياً أو دستورياً، فلماذا تكون اليوم هكذا؟
اليوم هناك حربٌ عالمية ثالثة بكلِّ مقاييس الحروب، وهي تمتدُّ من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى مصر إلى تونس، وصولاً إلى قلب أوروبا وتحديداً إلى فرنسا وبلجيكا. فإذا جرت الإنتخابات الرئاسية في لبنان اليوم فإنها تكون تجري في ظروف مشابهة لِما كانت تجري فيه في السابق، حين كان الرئيس يأتي من قلب ظروف الحرب سواء أكانت داخلية أم خارجية.
***
مع الحروب، كانت الرئاسة أيضاً، في معظمها، تأتي من تسويات:
من تسوية الطائف إلى تسوية الدوحة إلى تسويات ما قبل الحرب، فهل نحن اليوم على أعتاب تسويةٍ جديدة؟
هناك كمٌ هائل من المعلومات عن شيء ما أو طبخة ما جاري الإعداد لها على نار هادئة، محورا هذه المعلومات الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه. الرجلان لا يتحرّكان مصادفةً أو ارتجالاً حتى في التفاصيل الصغيرة، فكيف في شأن استراتيجي كرئاسة الجمهورية؟
بالتأكيد المسألة في بداية الطريق وليست في نهايته، فحين طُرِح إسم العماد ميشال سليمان في خريف العام 2007، لم يتم انتخابه إلا بعد سبعة أشهر وتحديداً في أيار 2008، وحين طرح النائب عمّار حوري إسم العماد ميشال سليمان، قامت القيامة ولم تقعد وبدأت التنظيرات والتحليلات والإجتهادات بأنَّ ما قاله كان موقفاً شخصياً أو رأياً شخصياً، ليظهر لاحقاً أنَّ عمّار حوري كان يطرح جسَّ نبْض تبيَّن أنه كان مدروساً ومخططاً له.
***
اليوم ليس هناك من حوريٍّ إذا صحَّ التعبير، بل هناك مَن سرَّب خبر الإجتماع الباريسي، من دون رضى الزعيمَيْن المعنيين، فهل بلغت الأمور خواتيمها؟
وهل دقَّت ساعة ملء الفراغ والشغور؟
وهل تعب الجميع من هذه الحالة المزرية التي وصل إليها البلد؟
هل الدول المعنية بالشأن اللبناني ولا سيما الرئاسي منه قد قررت أنَّ كلفة الفراغ والشغور باتت أكبر من كلفة ملء مقعد الرئاسة؟
ماذا عن الحلفاء؟
ماذا عن الخصوم؟
ماذا عن قانون الإنتخابات النيابية التي وحدها تعيد إنتاج السلطة القائمة على التمثيل الحقيقي للناس؟
إنها أسئلة ما قبل إنجاز التسوية، فهل تأتي الأجوبة قبلها أيضاً؟