يُراوح الموضوع الرئاسي مكانه بعد عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة الـ 35 لانتخاب الرئيس، وتحديد جلسة جديدة في 2 آذار المقبل، بسبب اختلاط الأوراق وتغيير المواقف لدى أطراف في فريقي 8 و14 آذار. وهذا الخلط الذي كان يعتقد البعض أنّه قد يؤدّي الى تسريع عملية ملء الشغور الرئاسي، أدّى الى العكس، على ما يبدو، وإن كانت النوايا الفعلية لدى أطراف عدّة لم تظهر بعد. فما حصل، على صعيد معراب من جهة، وفي باريس من جهة ثانية، من ترشيح لاثنين من فريق 8 آذار، ضرب بعض التحالفات القائمة، داخلياً وخارجياً، من دون أن تؤدّي التفاهمات الجديدة الى انتخاب رئيس.
والمشهدان اللذان جمعا الكثير من التناقضات السياسية، إن في معراب أو في باريس قد أخّرا الإنتخاب وعرقلاه وربما جمّداه مجدّداً، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مراقبة، بدلاً من أن يُسهّلاه أو يوصل أحدهما مرشحه الى قصر بعبدا. ولعلّ هذا ما يؤكّد على عدم إمكانية هيمنة فريق سياسي على الآخر في لبنان، كما أطراف على أخرى، مهما جرت المحاولات لخلط الأوراق أو الأشخاص، أمّا الواقع فيُظهر فتح باب النكايات السياسية من دون أي أسباب وجيهة ومنطقية.
فالقوّات اللبنانية التي تمسّكت خلال الجلسات الانتخابية الماضية بمرشّحها الدكتور سمير جعجع، وأصرّت على عدم انسحابه للعماد ميشال عون بل لأي مرشح توافقي آخر يجري الإتفاق عليه، عادت وتبّنت ترشيح الجنرال بعد أن انسحب له جعجع. و«تيّار المستقبل» أو فريق 14 آذار ككلّ الذي كان يدعم وصول جعجع الى قصر بعبدا ونزل نوّابه الى ساحة النجمة مرّات عدّة للدلالة على نيّتهم الفعلية بانتخاب الحكيم، لم يجد أفضل من حليف سوريا في لبنان رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية لكي يتبنّى ترشيحه، إذ لم يجد أفضل منه في فريق 14 آذار، أو من يماشيه سياسياً.
إنّه بلد العجايب، على ما ترى الأوساط نفسها، فعلى الرغم من أنّ السياسة هي فنّ الممكن، على ما يُقال، إلاّ أنّ ما نجده يحصل في لبنان هو فنّ المستحيل، ولكن يا ليته يُستكمل بين أطراف غير مؤيّدة لترشيح هذا المرشح أو ذاك ليُنتج رئيساً للبلاد، لأنّ لبنان بأمسّ الحاجة اليه في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها دول المنطقة وتترك آثارها السلبية عليه. فبحسب الدول الغربية، لا بدّ من اتفاق اللبنانيين على انتخاب رئيس لبلادهم، لكنّها لا تجد بأنّ التدخّلات الخارجية هي التي تعيق انتخابه، أو على الأقلّ عدم ترك الأطراف الأساسية فيه بسلام لكي تقرّر فعلاً: أي رئيس تريد لبلدها في هذه المرحلة بالذات؟
فإقناع المملكة العربية السعودية النائب سعد الحريري بترشيح فرنجية، وقبول هذا الأخير بتبنّي فريق 14 آذار لترشيحه، وهو في صلب فريق 8 آذار، لا يثير التساؤلات فقط بحسب الاوساط، إنّما هو ليس بريئاً من قبل المملكة التي غاظها أنّ ترى التحالف القوي بين «حزب الله» وعون وفرنجية، فحاولت ضربه «بالوعود» غير المنفّذة، ونجحت. أمّا جعجع فأراد أن يُسدّد لحليفه السياسي الحريري ضربة تخلّيه عن دعم ترشيحه هو والسعودية، فاختار تبنّي ترشيح الجنرال عون، كأهون الشرّين بالنسبة له، وقد وجد فيه البعض، حتى من القوّاتيين تنازلاً وانكساراً لا يؤدّي في نهاية المطاف الى إيصال مرشّح القوّات الجديد الى قصر بعبدا، ولا يتعدّى إطار الإستعراض السياسي.
ورغم «تجميد الانتخاب»، على ما ظهر من خلال جلسة يوم أمس التي غاب عنها المرشحين الجديين عون وفرنجية ونوّابهما، كما بعض الكتل الداعمة لكلّ منهما، والذي تتوقّع الأوساط ذاتها، أن ينسحب على الجلسة المقبلة أيضاً إذا ما استمرّت الأوضاع السياسية على حالها، لا تزال ترى أنّ أفق إيجاد مخرج او حلّ لأزمة الاستحقاق الرئاسي وكسر الجليد يمكن أن يحصلا إذا ما عادت بعض الأطراف الى رشدها، وابتعدت عن تصديق الوعود الكاذبة.
فما تمّ الإيحاء به لفرنجية من قبل الحريري، والمملكة ضمناً، بأنّ حظوظه أكبر بكثير من حظوظ الجنرال عون، لم يستطع فريق 14 آذار ولا الدول الحليفة له ترجمته في الجلسة الـ 35 للانتخاب. ولو كانت السعودية تؤيّد فعلاً وصول فرنجية، الحليف الأول لسوريا في لبنان، على ما أضافت، لما كانت مستمرّة حتى الآن في دعم المعارضة السورية والمجموعات الإرهابية فيها بهدف إسقاط النظام ورحيل الرئيس بشّار الأسد؟
أمّا دعم «حزب الله» لترشيح العماد عون، والالتزام به، فهو أخلاقي ومبدئي، على ما جاء على لسان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، وإن لم يتمكّن من إيصاله الى قصر الرئاسة. ولكن حتى ولو وصل اليه فرنجية لما اعتبر الحزب نفسه خاسراً، لأنّ هذا الأخير هو عنصر أساسي في فريق 8 آذار. فيما الخاسر الأكبر في كلتي الحالتين، أي لو وصل أحد المرشحَين، سيكون فريق 14 آذار والسعودية، ولهذا حاولا عرقلة وصول عون كما فرنجية من خلال ضرب ترشيحهما ببعضه البعض، ونجحا في ذلك.
من هنا، تؤكّد الأوساط نفسها، أنّه ما دامت السعودية تقبل بمرشح من فريق 8 آذار وتدعم ترشيحه، فهذا يعني أنّها توافق على المصالحة مع «حزب الله» وضمناً مع سوريا وإيران، وهذا الأمر ينطبق على الحريري نفسه. وإذا كان جعجع قد تبنّى ترشيح العماد عون، المقرّب من الحزب والذي وقّع معه تفاهماً سياسياً يلتزم به منذ سبع سنوات، فهذا يعني أيضاً أنّ جعجع لم يعد يرفض التقرّب من «حزب الله». فالحلّ لانتخاب رئيس للجمهورية، يكون إذاً بمصالحة شاملة تحلّ مكان النكايات والكيديات بين الحريري و«حزب الله» من جهة، ما يُسهّل عودته الى لبنان، وبين جعجع والحزب ما يُسهّل أيضاً المصالحة بينه وبين فرنجية. وفيما عدا ذلك فسيبقى تأجيل جلسات الانتخاب سيّد الموقف، الى حين وصول كلمة السرّ من الخارج.