لعلّ الرئيس سعد الحريري لم يكن يتوقع أن «تهترئ» حكومته بهذه السرعة. أشهر قليلة كانت كافية حتى تنزلق تلك الحكومة من شعار «الى العمل» نحو مستنقع «الى المناكفة»، وليس أدلّ على ذلك من ظهورها جسماً منقسماً ومتشظّياً خلال جلسات مناقشة مشروع الموازنة في مجلس النواب.
ظهرت عوارض الوهن والتفكك بوضوح على الحكومة بعد حادثة قبرشمون، التي ما زالت تعطّل انعقاد مجلس الوزراء في انتظار ابتكار معالجة قضائية – سياسية، تسمح بلَمّ شمله من جهة، وباحتواء ذيول الحادثة من جهة أخرى.
ومن سوء حظ الحريري والبلد، أنّ مناقشة الموازنة في الهيئة العامة لمجلس النواب تمّت قبل إيجاد المعالجة اللازمة لواقعة الجبل الدموية، الأمر الذي أرخى بظلاله القاتمة على شكل الحكومة التي عجزت عن الاجتماع قبل انطلاق الجلسات النيابية، ثم ظهرت خلالها مبعثرة ومترنّحة، على الرغم من كل محاولات الحريري لرَتق ثوبها الممزق وإخفاء «كومة» أشواكها خلف ورقة توت رقيقة وهشّة.
وإضافة الى ما تكشف من تخبّط حكومي في مقاربة الموازنة، بالصوت والصورة، على حساب التضامن الوزاري المفترض، كان لافتاً أيضاً اندلاع «اشتباكات جانبية» بين عدد من الوزراء، وتحديداً على جبهتَي الياس بوصعب – وائل ابو فاعور، وحسن مراد – كميل ابو سليمان (ربطاً بقرار وزير العمل المتعلق بالعمال الفلسطينيين)، الى جانب المحور المشتعل أصلاً بين أكرم شهيّب وصالح الغريب.
والحريري الذي حاول جاهداً أن يضبط أعصابه و»يُقنّن» غضبه، إضطرّ الى أن يخرج عن طوره أكثر من مرة في الايام الماضية، فانبرى للردّ المباشر على «القوات اللبنانية» بعد تنصّلها من مشروع الموازنة ومهاجمة «قوة الصدم» النيابية له، ما أوحى بأنّ «الجراحة التجميلية» التي أجريت أخيراً للعلاقة الثنائية لم تكن ناجحة تماماً.
كذلك، تعرّض الحريري أثناء الجلسة النيابية أمس لـ»نوبة رَبو» سياسية، بعد الهجوم العنيف الذي شنّه عضو «اللقاء التشاوري» النائب فيصل كرامي على الموازنة، ما دفعَ رئيس الحكومة الى تجاوز تجاهله الدائم لوجود «اللقاء»، لافتاً الانتباه الى أنّ ممثله في مجلس الوزراء حسن مراد لم يعترض عليها، في محاولة لإحراج كرامي.
ووفق الانطباعات السائدة لدى القريبين من الحريري، فإنّ الرجل مُستاء من إصرار البعض، ضمن فريقي الحلفاء والخصوم، على مواصلة استخدام «الخطاب الشعبوي» في لحظة حساسة ومفصلية، لم تعد تحتمل هذا الترف الذي كانت أضراره في السابق أقل بكثير مما هي عليه الآن.
لا يجادل الحريري في الحق الدستوري للنائب في أن يراقب ويعارض، لكنه يعتبر انه ليس من المنطق، بالمعيار السياسي، أن يوافق بعض الأطراف على الموازنة في مجلس الوزراء او ان يتحفّظ عن عدد من بنودها، ثم يبادر في مجلس النواب الى معارضتها والتصويت ضدها، «فقط من باب المزايدة وتسجيل النقاط».
بالنسبة إليه هذه التصرفات «مش مَبلوعة»، ولا تتناسَب مع «مفهوم التضامن الوزاري ودقة المرحلة التي تتطلب ترفّعاً عن النكايات العبثية والتكتيكات الضيقة». ويستغرب المحيطون بالحريري كيف «انّ هناك من لا يزال يعتمد سياسة التشاطر والتمريك، من دون تقدير خطورة التحديات الداهمة في هذه المرحلة المصيرية، كما تبيّن من مسار الجلسات النيابية». ويضيفون: ربما كان يجوز استعمال تلك السياسات او الخوض في هذا النقاش، خلال حقبة التسعينات عندما كان الوضع أفضل بكثير، أمّا حالياً فإنّ المطلوب مقاربة مغايرة تماماً. وعتب الحريري على معراب أكبر بالتأكيد من مآخذه على معارضيه، في اعتبار أنّ ظلم ذوي القربى السياسية هو أقسى. لم «يهضم» رئيس الحكومة سلوك «القوات» وانقضاضها على الموازنة بهذه الطريقة، وهي الممثلة في مجلس الوزراء بنائب رئيس و3 وزراء. وإذا كانت «القوات» قد تحفّظت عن بعض البنود أثناء الجلسات الوزارية فإنّ ذلك لا يمنحها، في رأي الحريري، حق التصويت ضدها، «بل كان الأصح أن تصوّت معها وتتحفّظ عن بنود معينة، وليس العكس»، وفق أوساط بيت الوسط.
وربما كان كلام أحد النواب في مجلس خاص يختصر الواقع، بقوله في معرض تعليقه على مجريات الجلسات النيابية: «طفّي التلفزيون، ما بيضَلّ حدا يحكي».