ترتسم علامات استفهام كثيرة في الصالونات السياسية اللبنانية حول سر الاندفاعة الفرنسية مقابل «تريث» اميركي واضح، من التسوية المرممة والتي بحسب اوساط مطلعة لم تحسم بعد بالكامل وانها بانتظار عودة رئيس الجمهورية من روما، بعدما انهى الرئيس سعد الحريري الجزء الخاص فيه مغادرا الى باريس ليعلن منها موقفه المتقدم، والذي ذكر الكثيرين بمقابلته مع صحيفة «الشرق الاوسط» عشية زيارته لدمشق.
مصادر مواكبة للاحداث لمحت الى ان الشيخ سعد وقبيل تسريبات عن لقائه بالسيد حسن نصر الله برفقة عمته، عشية سفره الى باريس لاطلاق مواقفه الاعلامية من هناك في خطوة مدروسة ومنسقة سلفا، كان هيأ الاجواء بابلاغه نواب كتلته انه لن تكون هناك اجتماعات بعد اليوم دون حضوره، وان على المعترضين ان يدلوا بمواقفهم داخل الكتلة لا خارجها، كاشفا امام مقربين منه ان محركات الاتصالات الثنائية بين بيت الوسط وحارة حريك جرى تفعيلها عبر قنوات جديدة، بعدما حقق الحوار الاول غاياته، كاشفة عن ان اي اتصالات لم تسجل بين الحريري ومسؤولين سعوديين، ملتزما «الصوم» عن الكلام حول ما حصل معه في الرياض، رغم لطشة «الباري ماتش».
ورأت المصادر ان سببين رئيسيين يحتمان حاليا التوصل الى تسوية وسريعا، أولها، يرتبط بملف النفط المعني به الاوروبيون خصوصا ايطاليا وفرنسا، ولذلك كانت تعريجة نيقوسيا الحريرية، ثانيها، اجتماع مجموعتا، الدعم الخاصة بلبنان في باريس وهو ما اصطلح على تسميته بباريس اربعة لاستدراك أي انهيار في الوضع الاقتصادي، ومؤتمر روما المخصص لدعم القوات المسلحة اللبنانية، متابعة بان الرئيس ايمانويل ماكرون يحول انجاز «صفقته»، في الوقت المقتطع اميركيا بانتظار اكتمال عقد «عسكرة» الادارة الاميركية، مع انقضاء المهلة امام الكونغرس لبت مسألة الموقف من الاتفاق النووي مع طهران، في محاولة لكسب البديل في حال انهارت الاتفاقات الايرانية ـ الدولية.
واعتبرت المصادر ان تغريدة المستشار في الكونغرس الاميركي وليد فارس، المقرب من فريق الرئيس دونالد ترامب، التي رد فيها على كلام الرئيس سعد الحريري حول سلاح حزب الله، معتبرا ان: «حزب الله اجتاح بيروت وهاجم جبل لبنان بأسلحة ثقيلة في العام 2008، وقام باغتيال السياسيين والضباط والمواطنين اعتبارا من العام 2005، استخدم أسلحته ضد اللبنانيين وينبغي نزع سلاحه بموجب قرار مجلس الأمن 1559»، مؤشر للموقف الاميركي من «الازمة الحريرية» المستجدة وما يمكن ان تشهده من تطورات مع اكتمال المشهد في واشنطن، خصوصا ان الاخير يشير خلال لقائه بشخصيات لبنانية، الى انه حان الوقت ليتكلم المسؤولون اللبنانيون لغة واحدة في واشنطن وبيروت.
الى ذلك أشارت مصادر ديبلوماسية غربية الى ان الادارة الاميركية وضعت مواجهة حزب الله كاولوية قصوى لها حيث بدأت وكالات الإستخبارات المختلفة حملة مشتركة، من ضمن خطة لتعزيز الأدوات الديبلوماسية والإستخباراتية والمالية، بهدف تعطيل النشاطات اللوجيستية وعمليات جمع التبرعات التي تقوم بها إيران و«فيلق القدس» ومجموعة من الشخصيات والمؤسسات المحسوبة على الحزب وميليشيات شيعية أخرى في العراق وأماكن أخرى في العالم، ملمحة إلى أن إجراءات أخرى ستتخذ خصوصاً في أميركا اللاتينية، فضلا عن رصد مكافآت جديدة لمن يدلي بمعلومات عن قادة في الحزب، مشيرة الى ان تصريحات المقربين من البيت الابيض ممن تلتقيهم الشخصيات اللبنانية التي تزور واشنطن تركز على ان الخطة الاميركية الحالية بعد اقرار قانوني العقوبات في الكونغرس والمقرر دخولهما حيز التنفيذ في وقت قريب جدا، هدفها سحب اي حجة تسمح للحزب بالادعاء بأنه لاعب شرعي زجزء من النظام السياسي في لبنان، طالما أنه منخرط في نشاطات «غير شرعية» من شأنها تقويض الاستقرار في لبنان ودول المنطقة وحتى حول العالم.
وتكشف المصادر الغربية ان الاجهزة الامنية الاميركية تأخذ على محمل الجد امكان استهداف مصالحها في الخارج، وحتى تنفيذ عمليات على اراضيها، بعد رصدها لاشارات «ذات مصداقية» في هذا الاتجاه، ومخاوفها من ان تنعكس المواجهة الامنية المنتظرة الى انفجار حرب استخبارات متبادلة، تستهدف الشبكات الامنية الاميركية في الخارج، خصوصا ان التجربة الاميركية في هذا الخصوص مع بيروت مؤلمة، بعد ان استهدف رئيس محطة ال «سي.آي.اي» في لبنان في الثمانينات.
فاذا كانت الامور كذلك، اين وكيف سترد الرياض؟ وكيف سيتصرف الاميركيون؟ وهل تستمر فرنسا في اندفاعتها في ظل الحديث عن «فتور» مصري بعد عملية سيناء وزيارة وزير الدفاع المصري للرياض؟