IMLebanon

الحريري زرع الاعتدال فحمى لبنان

 

عشر سنوات مرّت على استشهاد رفيق الحريري، والحاجة له لبنانياً وعربياً تبدو مطلوبة وملحّة أكثر مما مضى. هذه هي أهمية القائد السياسي الذي يموت فيَحيَا، فيما الآخرون يموتون ليدفنوا، ولا يبقى من ذكراهم بين الناس العاديين، الذين هم أهم مقياس لكل المسارات والزلازل السياسية، سوى صور غامضة أو حتى سوداء خارجة من ممارسات لا تمحى كانت نتائجها كارثية لأنها تبقى محفورة في الذاكرة الشعبية الجماعية.

بكل شفافية وواقعية، ماذا ستتذكر الشعوب العربية وحتى العالم، من بشار الأسد متى مرّ على وفاته عشر سنوات؟ لا شيء تقريباً سوى البراميل المتفجرة ومئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين وتسليمه قيادة الجيش العربي السوري الى جنرال، أهميته الكبرى أنه كان بطلاً قومياً إيرانياً يحترم بلاده بإخلاص. الإثبات أن صدام حسين الذي ملأ فترة طويلة من تاريخ العراق بالأحداث، لم يعد يوجد من العراقيين سوى قلّة قليلة هي تتناقص يومياً تتساءل: ماذا لو كان صدام حسين بيننا؟

الشهيد رفيق الحريري، يتذكره اللبنانيون اليوم ويتساءلون ماذا لو كان بيننا يقود البلد لإنجاز الاستقلال الناجز والكامل؟ هل كان لبنان يسبح في الفراغ، ولا يعرف كيف يعود الى توازنه؟ ماذا لو كان الحريري الآن في الحكم أو المعارضة على السواء، هل يسمح بهذه الأزمة الاقتصادية، التي تحوله على مثال «بيضة» قد لا يبقى منها إلا قشرتها؟ ماذا لو كان هنا، ولبنان مهدد كل يوم على كل حدوده؟

ليس في كل هذه الأسئلة وعشرات مثلها «كربلانية» ينتهي حزنها مع الدخول في أزمة أكبر، وإنما هي محاولة جادة لرسم مسارات نابعة من الاخلاص والعمل والقدرة المبنية على مشروع ضخم قد لا يكون مكتملاً ولا كاملاً لكن على الأقل يشكل قاعدة لانطلاقة كبيرة. قد لا يكون أكثر من خطوة صغيرة، لكن هذه الخطوة تشكل قفزة كبيرة نحو المستقبل.

أهمية رفيق الحريري، أنه كان «محركاً» يدفع الجميع للحركة والتقدم معه، وانه كان صاحب رؤية لجعل لبنان انطلاقاً من بيروت سوقاً عالمياً لما هو متميز به الأعمال والسياحة والمصارف. صاغ الحريري رؤيته على حجم لبنان، وشرط أن يكون مستقبله واعداً ومنتجاً.

سؤال مشروع: الذين نفذوا في الحريري «حكم الإعدام»، هل يشعرون اليوم بالراحة والارتياح أم انهم يتساءلون أيضاً ماذا لو لم ينفّذ حكم الإعدام به وهوَ الذي ما زال حيًّا عند غالبية الشعب اللبناني الذين يتعلقون بالعلم اللبناني رمزاً لوطنيتهم واستقلالهم اليوم أكثر مما كانوا قبل عشر سنوات؟

كان الحريري رئيساً لوزراء لبنان، ووزير خارجية لسوريا، يدافع عنها في المحافل الدولية ويوصل رسائلها بأمانة. في حين أن تغييبه جعل دمشق عارية ومقعدة أمام هذا المجتمع. الذين اغتالوا رفيق الحريري لم يغتالوه لشخصه، وإنما لوزنه المؤثر في مشروع مضاد لسياستهم الممانعة. اغتيل الحريري في محاولة مكشوفة لفتح الطريق أمام استراتيجية مضادة لكل ما كان يجسده من بناء ونهضة واستقلال.

في 14 شباط 2015، يتأكد أن ما زرعه الحريري أثمر في حالات كثيرة خطرة اعترضت السلام الأهلي الهش. كانت كل حالة منها كافية لغرق لبنان في حرب أهلية قاضية. نجاح الحريري الكبير أنه زرع الاعتدال عميقاً في المجتمع اللبناني على مختلف تشكيلاته الانسانية. يكفي اليوم الاعتراف الدولي بأن اللبنانيين وخصوصاً السّنة منهم لا يشكّلون حاضنة للتطرف «الداعشي» الأسود. بالعكس أثبت اللبنانيون أنهم معتدلون ويريدون الاعتدال بكل مضامينه ومتطلباته لإخراج لبنان من أزمة الفراغ.

عندما خرج اللبنانيون مسلمين ومسيحيين لتوديع الحريري، ومن ثم في 14 آذار إنما فعلوا ذلك، لإيمانهم الكامل بأن البلد ليس لفئة دون أخرى، وأن مبدأ الأغلبية والأقلية للتحكم بمفاتيح السلطة قد سقط منذ أن آمن اللبنانيون بأن لبنان أولاً.