IMLebanon

الحريري يستعمل الخطاب المزدوج مع «الشيء ونقيضه»

تقرير الجيش بصيغته النهائية يؤكد ان الموقوفين السوريين قضوا قبل التحقيق معهم، التقرير من شأنه ان يوضح الالتباس الذي رافق عملية عرسال والتي لم يتم التصويب فيها الا على وفاة الموقوفين بتناسي وتجاهل فاضح من جهات معينة لاهمية انجاز الجيش، لكن التقرير وحده كما بات واضحاً لم يكن كافياً لازالة تلك التداعيات التي خلفتها التصريحات السياسية خصوصاً بعد طرح فكرة «استدعاء» رئيس الحكومة لقائد الجيش الى السراي وتغييب وزير الدفاع مما أوحى بان جبهة سياسية او مواجهة كانت ستقع بين بعبدا والسراي خصوصاً وان أجواء بعبدا أوحت بانزعاج رئيس الجمهورية من الدعوة عبر الإعلام وتغييب الوزير الصراف، قبل ان يتدارك الحريري «الخطأ الأول» في تاريخ علاقته برئيس الجمهورية ويسارع الى نزع فتيل التفجير الذي زرعه الحريري اما بقصد او لاسباب خارجة عن ارادة الحريري، فرئيس الحكومة كما تقول اوساط قريبة من المستقبل وجد نفسه بين فكي مطرقة، حيث كان صعباً على الحريري ان يمرر الضجة التضامنية تعقيباً على وفاة السوريين الاربعة  التي قامت في الشارع السني وهو على ابواب الانتخابات، ومن جهة اخرى وصلت الى رئيس الحكومة ترددات انزعاج رئيس الجمهورية وسمع من بعبدا ما لم يسمعه منذ التسوية الرئاسية، عدا ذلك فان عدم الوقوف الى جانب الجيش الذي حمى لبنانيين باعتراف الحريري من السراي اثناء لقائه قائد الجيش امر غير مقبول خصوصاً مع تفشي فضائح المخيمات وما تحويه من ارهاب، أهم من ذلك ان رئيس الحكومة يستعد لزيارة واشنطن في 20 تموز الحالي ومحاربة الارهاب أهمية قصوى توليها الادارة الأميركية راهناً ودعم الجيش اللبناني بات يتقدم اهتمام الاميركيين اكثر من قبل.

وعليه بمكن القول ان الحريري احسن الأداء  وان كان خطابه مزدوجاً فهو يفعل الشيء ونقيضه معاً، يدعم المؤسسة العسكرية الى ابعد الحدود ويعتبر الجيش خطاً احمر، ويحرص الا يوتر علاقته بالعهد الجديد، ويراعي شارعه السني، اما الوجه الإقليمي لموقف الحريري فرسالة واضحة المعالم الى ولي العهد الجديد في السعودية في موضوع عودة النازحين الى سوريا والتشدد في موضوع وقف التفاوض مع النظام خصوصاً وان الحريري محرج في الأزمة الناشئة بين السعودية وقطر حيث مصالح الكثير من اللبنانيين.

المؤكد والثابت ان رئيس الحكومة حريص  على عدم تعريض التفاهمات التي ارساها مع العهد لأي خضات، وهو لذلك تراجع خطوات الى الوراء، واذا كان الحريري يدوزن مواقفه فان بعض جماعات المستقبل تفي بالغرض فما قاله النائب عقاب صقر لم يكن موقف منفرداً بل كان توزيع ادوار في تيار  المستقبل تماشي الحملة التي خيضت على خطاب السيد حسن نصرالله باستقدام مقاتلين رداً على التهديدات الاسرائيلية.

بدون شك ثمة اختلاف في الكثير من وجهات النظر واقعة  بين بعبدا والسراي  بحسب مصادر متابعة، حيال ملف النازحين والموضوع السوري وخطاب حزب الله ومعركة الجرود، لكن العودة الى الاصطفافات السياسية غير مطروح والخلاف ايضاً بين الرئاستين، ثمة اختلاف كبير في طريقة مقاربة ملف النازحين  وعملية الجرود التي اطلقها الأمين العام لحزب الله ودور الجيش اللبناني فيها، فالتيار الوطني الحر الذي يلتزم مواقف رئيس الجمهورية هو اول المطالبين بعودة النازحين السوريين والتيار «تعلم» من ميشال عون قائد الجيش ان الجيش خط أحمر ولا يزال عند موقفه بعدما وصل عون الى الرئاسة والعماد جوزف عون الى  اليرزة، اما أزمة النازحين فيفترض ايجاد حل لها والتفاوض مع النظام السوري ليس عيباً لتأمين مستلزمات العودة، اما تضحيات المقاومة وتحرير الجرود فخطوة لا بد منها لاستئصال الارهاب من وجهة النظر العونية.

تيار المستقبل  يحسبها جيداً على حدّ قول المصادر، خصوصاً وان القاعدة تقبلت مؤخرا الخيار السياسي الجديد لرئيس الحكومة ولا بد من حسابات لاهواء الشارع السني، فالمعركة النيابية يحسبها الحريري جيداً ولذلك تبدو المواقف متأرجحة مع حسم الموضوع بالنسبة للارهاب، فالحريري في عرسال 2014 لا يشبه الحريري في عملية اليوم وما ينجزه الجيش من تفكيك شبكات ارهابية والقاء القبض على مشبوهين وارهابيين داخل المخيمات يؤكد نظرية ان المخيمات ليست فوق الشبهات، لكن التواصل مع النظام السوري بالنسبة الى الحريري امر مرفوض وعقبة اساسية في موضوع النازحين ويمكن ايجاد الحلول له من خلال الأمم المتحدة.

بالمؤكد ان رئيس الحكومة  مضطر وفق المصادر ان يوسع من رحابة صدره لاستيعاب الجميع، فهو ملزم ان يحافظ على تفاهمه مع بعبدا عدا ذلك فان الحريري مدرك ان ملف النازحين السوريين صار  قنبلة موقوتة تصيب كل اللبنانيين والطائفة السنية بشكل أساسي كونها على تماس مع النازحين في البقاع والشمال، وايجاد حلول للعودة أمر لا بد منه في سياق تسريع العودة، لكنه يماشي ايضاً الوضع الإقليمي ولا يمكنه ان يتبنى ما يزعج السعودية والقيادة الجديدة فيما يلملم اوراقه استعداداً للسفر الى واشنطن، و يحاول  السير بين النقاط  في الأزمات الداخلية هو قرر منذ التسوية الرئاسية التي اوصلت خصمه السابق الى قصر بعبدا وأعادته الى السراي ان لا يقع الخلاف مع احد وان يرمم الجسور التي نسفها الحريري بنفسه في الحقبات الماضية.

وعليه يمكن القول ان رئيس الحكومة اعاد تصويب البوصلة مع بعبدا، تضيف المصادر، وهو اذ يتحاشى المواجهة العنيفة مع حزب الله لكنه يخشى تورط المؤسسة العسكرية في مواجهة الجرود بشكل يجعل الجيش شريكاً  مباشراً الى جانب حزب الله وربما الجيش السوري في المعركة مع الارهاب وهذه الهواجس الحريرية جعلت الحريري يُخطىء ثم يبادر الى تصحيح الخطأ، وهو لا يرغب بتوتير علاقته بحزب الله في هذه المرحلة ولا في المستقبل، لكنه ملزم بمواقف معينة تجاه جمهوره وتجاه حلفائه الاقليميين، هذا لا يعني امكانية حصول أزمة حكم على خلفية الخلاف في وجهات النظر خصوصاً ان رئيس الحكومة عندما تشتد مخاطر الارهاب يظهر مواقف حاسمة وجازمة بالتكويع والالتفاف الى المؤسسة العسكرية التي تحوي خزاناُ بشرياً من الطائفة السنية كما ان ارهاب «داعش» بات موثقاً وجوده داخل المخيمات وعلى انتشار الاراضي اللبنانية.