اسدل الستار في لبنان على الفيلم السعودي «المغامرة»، السيء «النص»، والفاشل «اخراجيا»، ما حال دون امكانية تسويقه داخليا وخارجيا، واذا كانت البلاد تستعد الاسبوع المقبل لاستعادة عافيتها السياسية بالعودة الى تسوية ما قبل «الانقلاب»، مع بعض «الرتوشات» اللفظية لزوم «حفظ ماء الوجه»، فان مسؤولي الانتاج في الرياض يعملون راهنا على تقييم الخسائر الفادحة التي لحقت بالممكلة وبحلفائها،كما تجري عملية تقويم مماثلة في تيار المستقبل الذي تعرض «لهزة» هي الاسوأ والاكثر خطورة منذ «زلزال» اغتيال الرئيس المؤسس الشهيد رفيق الحريري..
اوساط مطلعة على «اجواء» «بيت الوسط» تشير الى ان رئيس الحكومة سعد الحريري لم يخرج «نفسيا» بعد من وقع «صدمة» تعامل المسؤولين السعوديين معه في الرابع من الشهر الجاري وما تلاها من ايام عصيبة في المملكة، وهو اليوم يعيش حالة من «الارتياب» وانعدام الثقة بالكثيرين من محيطه القريب والبعيد، ولم يصل بعد الى قرارات حاسمة ردا على موقف هؤلاء من غيابه القسري ومسؤولية بعضهم عن معاناته الاخيرة، وهو ابلغ مقربين منه، انه يعرف جيدا محدودية تأثيرهم في القرار السعودي، وانهم يتلقون التعليمات، لكن مجرد «خيانتهم» «للخبز والملح» عبر الانزلاق الى تأييد فكرة ازاحته من المشهد السياسي، امر غير قابل «للهضم» لديه، ولم يستطع حتى الان على المستوى الانساني تجاوزه، مع انه تلقى نصائح بتخطي الامور الشخصية والتفكير مليا بالمصلحة السياسية لتيار المستقبل قبل الذهاب الى عملية «تنظيف» «داخل البيت» وخارجه…وفي هذا السياق تم تشكيل لجنة برئاسة الامين العام للتيار احمد الحريري لاجراء تقويم دقيق لهذه المرحلة على ان ترفع توصياتها للرئيس الحريري قريبا..
ووفقا لتلك الاوساط، سمع رئيس الحكومة كلاما من الدائرة المقربة منه، «المغضوب» عليها سعوديا، وخصوصا مدير مكتبه نادر الحريري، تلخص المشهد خلال غيابه، وتفضح التصرفات المريبة لبعض «المستقبليين، وبعض الحلفاء وفي مقدمتهم القوات اللبنانية، فالاحداث بدأت «صادمة» منذ اللحظات الاولى لاعلان الاستقالة، فمعاون الامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل كان من اوائل المتصلين مع نادر وحاول الاستفسار منه عن حقيقة ما يحصل، وخلال المكالمة الهاتفية توصل الرجلين الى استنتاج قاطع بان ما يجري «مريب»، وكان موقف الحزب واضحا لجهة استيعاب الحدث بانتظار جلائه مع التأكيد على عدم الرغبة في التصعيد، والمساعدة حيث يمكن ذلك…في المقابل غابت «القوات عن السمع» ولم يحصل اي تنسيق او تواصل معها فيما انبرى وزرائها ومسؤوليها الى تأييد الاستقالة والترويج لاسبابها، وكان رئيس «القوات» سمير جعجع «راس حربة» في استعجال رئيس الجمهورية لقبولها دون الالتفات الى موقف تيار المستقبل الذي حسم خياره بعد ساعات قليلة من «الاضطراب» بفضل الموقف الصلب للنائب بهية الحريري التي نجحت ايضا في اعادة فؤاد السنيورة الى «بيت الطاعة» بعد محاولته شق صفوف «التيار»…
وتشير اوساط قريبة من المستقبل، ان «الصامت» الاكبر هو النائب جورج عدوان الذي لم يكن موافقاً منذ البداية على الذهاب بعيداً في اتخاذ موقف متطرف من الازمة، وكان بافضل الاحوال يرغب بالانتظار ريثما تتضح معالم المرحلة، لكن القوات كانت مضطرة لتعبئة الفراغ السني بعد اقتناعها ان موقفي اشرف ريفي وخالد الضاهر غير كافيان لربح المعركة على الساحة السنية في ظل تمسك تيار المستقبل بموقفه، وبقاء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تحت مظلة هذا الموقف، خصوصاً ان لقاء «الحكيم» مع دريان كان سيئاً، فهو رفض صراحة تبني سقف بيان استقالة الحريري، وطالب جعجع شخصياً بان لا يخرج باي موقف تصعيدي ضد احد سواء حزب الله او غيره من على منبر دار الافتاء.
وبحسب تلك الاوساط، فان «القوات» في حيرة من أمرها الان، فقد تبين ان السعودية لا تملك خطة طوارىء للتراجع، السبهان بات خارج «الخدمة»، او اقله خارج «السمع»، ومن يحاول المراجعة في الرياض يقال له انه منشغل اليوم بملف المعارضة السورية. السفارة الاميركية في بيروت لا تستطيع تقديم اي مساعدة لسببين: الاول ان الادارة الاميركية لا تملك اي «استراتيجية» جديدة للوضع اللبناني وتؤيد بشدة العودة الى تسوية ما قبل الازمة الحالية. والسبب الثاني يتعلق بعدم مسؤولية السفارة في بيروت عن «اخطاء» الاخرين، وقد تساءلت السفيرة اليزابيت ريتشارد امام بعض زوار السفارة عن سبب قيام بعض الشخصيات والاحزاب بالاندفاع في تبني مواقف متعجلة دون مراجعتها، مع العلم انهم كانوا «يتواصلون» في الامور الصغيرة والكبيرة»؟!
وفي هذا السياق، فان «المعضلة» الجدية التي تواجه الحريري تتعلق بغياب «المظلة» السنية الاقليمية التي يمكن ان تعوض اختلال العلاقة مع السعودية، «فالاحتضان» الفرنسي ليس كافيا للبناء عليه على المدى المتوسط والطويل، فلبنان بلد التوازنات الطائفية لا يمكن ان تصمد فيه الكتلة السنية عندما تخسر «حاضنتها» الطبيعية، لكن الحريري فهم خلال لقائه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ان مصر غير راغبة وغير قادرة على «لعب» هذا الدور، وهو يدرك ان تركيا «المنافس» الجدي للمملكة لا يمكن ان تكون هي «الرافعة» في الوقت الراهن، لاسباب كثيرة منها ذاتي بعدم رغبته في تحدي القيادة السعودية الشابة، ومنها ما هو واقعي ويرتبط بالخلفية «الاخوانية» التي يتحرك في اطارها الاتراك، لذلك يشعر رئيس تيار المستقبل انه الان دون «مظلة» اقليمية جدية، وهو يتحرك داخليا للمرة الاولى دون غطاء خارجي، ويدين لخصومه بالكثير لانهم ساهموا في حفظ موقعه على الساحة السياسية ولم يستغلوا لحظات ضعفه «لقلب» «الطاولة» عليه وشطبه من الحياة السياسية…ولذلك وعلى الرغم من حتمية العودة للتواصل مع الرياض ثمة «ضبابية» غير مسبوقة في العلاقة مع المملكة، وليس واضحا كيف ستعود «المياه « الى «مجاريها»..
وفي الخلاصة، لن تطول عملية المراجعة الشاملة داخل تيار المستقبل، ويتريث الحريري ريثما «تبرد» الامور وتنطلق مجددا عجلة الحكومة، موقعه على راس السلطة التنفيذية بات اليوم «حصانته» الاولى والاخيرة بانتظار الانتخابات النيابية المقبلة التي يأمل من خلالها استعادة شعبية تيار المستقبل «المفقودة»، ولهذا المعطى اهمية كبيرة، ولذلك تجري حسابات دقيقة في هذا الاطار كي لا تؤدي عملية «التنظيف» الى الاضرار انتخابيا بالتيار «الازرق»، لكن لن يبقى من هؤلاء «المتسلقين» احد، كما تقول اوساط في «المستقبل»، وسيغادرون «المركب» حتما.. اما العلاقة مع الحلفاء او من يسمونهم في «بيت الوسط» بالخونة» فلها حسابات أخرى والشيخ سعد يعمل راهنا على تقدير «المصلحة» السياسية، لكن ثمة شيء كبير قد انكسر، وكما كان يقول الرئيس الشهيد الانطباع يبقى اهم من الحقيقة، والانطباع لدى جمهور وقيادات المستقبل انهم «خانوا الامانة»، والحقيقة انهم فعلوا ذلك، وعندما تلتقي الحقيقة مع الانطباع فهذا يعني ان الامور «صعبة» …