في بلد «طاسة باردة طاسة سخنة»، لا يزال رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على تفاؤله وعلى كلامه أنّ الحكومة بعد عشرة أيام يفترض أنّه تحدّث عنها يوم الخميس الماضي ويفترض أنّ اليوم هو السادس من هذه العشرة، فيما بدا لافتاً بالأمس تفاؤل محطة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الـ NBN بأنّ «الحكومة باتت قريبة جدا وستتشكل قبل انتهاء هذا الشهر» بعد حديثه قبل أيام عن العودة إلى نقطة الصفر وأنّنا مطرحك يا واقف، بعد المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية جبران باسيل يوم الجمعة الماضي، فما الذي استجدّ حتى فاضت موجة التفاؤل بنعمتها الجديدة على اللبنانيّين يوم أمس؟!
والملفت أنّ موجة التفاؤل الجديدة تزامنت مع كلام يصدر للمرّة الأولى عن الرئيس الحريري بعد عرقلة أشهرٍ أربعة لوّح فيها أنّه لن يقبل بتكرار سيناريو العام 2009 عندما اعتذر بعد عرقلة أشهرليكلّف ثانية بتشكيل الحكومة، باعتبار أنّ ظروف العام 2009 مختلفة عن اليوم، هي المرّة الأولى التي ترد فيها كلمة»إذا اعتذرت» على لسان الحريري، وعلى عكس ما كان يجهر نوّاب المستقبل منذ شهرين بأن الحريري لن يعتذر مهما بلغت التعقيدات، جاء إجماع كتلة المستقبل بُعيد اجتماعها بالأمس بإعلان «التزامها أي قرار يمكن أن يتخذه الرئيس الحريري تجاه التعطيل المتعمد لتأليف الحكومة والإصرار على إبقاء البلاد رهينة السباق على الحصص والمواقع»، وإضافة إلى هذا التلويح «الجدّي» إلى حدّ ما أتبعته الكتلة برفضها «الاعتراف بأي أعراف جديدة يتطلع البعض لإسقاطها على تأليف الحكومات، فالرئيس الحريري معني فقط في هذا الشأن، بالمعايير الدستورية ومعيار المصلحة الوطنية».
هنا، لا بدّ من تذكير الجميع بأن الأعراف التي تجري محاولة فرضها على تشكيل الحكومات المعني الأوّل بها ومتبنيها ومثبتها في بيان رئاسي هو الرئيس ميشال عون وليس جبران باسيل، وبوضوح تام نقول، كلّ الفرقاء يمارسون «تقيّة» فصل الرئيس ميشال عون عن الوزير جبران ليقنعوا أنفسهم بأن المشكلة تكمن في باسيل وحده، وهذا أمر ليس حقيقي والإمعان في الاتكال لن يوصل إلى تشكيل حكومة لأنّ «معضلة» المعيار الواضع الأول لها هو رئيس الجمهوريّة، وهو يحيل الجميع وأوّلهم رئيس الحكومة المكلّف على جبران باسيل المفوّض تماماً من قبل الرئيس لتطبيق «عرف» المعيار المخالف لنظام الطائف وللدستور!
لن نعود إلى البيان الرئاسي الذي تحدّث عن المعيار الذي وضعه «رئيس الجمهوريّة» لتشكيل الحكومة، سنعود إلى كلام رئيس الجمهوريّة المنشور في «شبه حوار» في صحيفة الجمهوريّة في 18 أيلول الماضي والذي أكّد فيه أنّ «إذا سئلت عن رأيي، فأنا أعتقد ان «التيّار الحرّ» يستحق ان ينال 6 حقائب وزارية و»القوات اللبنانية» 3 حقائب، استناداً الى معيار واحد قوامه: وزير لكلّ 5 نوّاب»، أليس هذا الكلام هو نفسه الذي صدر عن الوزير جبران باسيل يوم الجمعة الماضي في مؤتمره الصحافي، فعلى أي أساس يصنّف ما كرّره باسيل بأنّه «لم يكن ايجابياً» مع أنّه تكرار لرأي رئيس الجمهوريّة، ونتساءل هنا: على أيّ أساس يقول الرئيس المكلّف أنّه «متفائل من لقائي مع رئيس الجمهورية»؟!
سيحيل رئيس الجمهوريّة بعد لقائه الرئيس المكلّف على الوزير جبران باسيل، وسيتكرّر الحديث عن المعيار، ولا حلول لهذه «الدويخة» إلا فرض تنازل ما بالإكراه على القوات اللبنانيّة وعلى النائب السابق وليد جنبلاط «بيتلاقى» له صيغة تبريريّة ما، كالاحتفاظ بمنصب نائب رئيس الحكومة بحقيبة وزارة دولة وثلاث وزارات تماماً كالتسريبة التي جرى ترويجها الأسبوع الماضي ونفت القوات اللبنانيّة أنّها عرضت عليها.
التلويح بالاعتذار ـ وإن بدا جديّاً ـ إذا ضمّ إليه بيان كتلة المستقبل، إلا أنّ هذا الاعتذار لا يزال غير وارد، لأنّ الرئيس سعد الحريري دفع مسبقاً يوم مشى بالتسوية الرئاسية ودعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهوريّة وواجه حرجاً شديداً ودفع ثمن هذه التسوية من رصيده الشعبي، عندما اتهمه كثيرون أنّه قبل بالتسوية ليعود إلى رئاسة الحكومة، وظلّ يجيب عن هذا الكلام بأنّه «يريد أن يعمل رئيس حكومة لينقذ لبنان واقتصاده»، هذه الحكومة دفع الرئيس سعد الحريري ثمنها من رصيده الشعبي سلفاً لذا لا نظنّ أنّ التلويح بالاعتذار سيؤدّي إلى الاعتذار!
بصرف النظر عن موجة التفاؤل وربما اقتراب الخروج من عقبة الحصص، لا يزال هناك حرب جديدة ستنشب على الوزارات ونوعيّتها، وحرب أخرى على البيان الحكومي، وبعدها ستبدأ حرب العقوبات على لبنان وعلى الوزارات التي سيحصل عليها حزب الله وإلى صراع دعوة سوريا إلى القمة العربيّة، باختصار ستكون حكومة «علّ قلب وليّ ذراع» سعد الحريري وبكلّ المقاييس!