قد يكون مثيراً للتساؤل، بل والاستغراب ان يكون من بين أولويات «حزب الله» في مسألة تأليف الحكومة العتيدة هي توفير حصة وزارية وازنة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبالتالي لـ»التيار الوطني الحر».. وقد يكون مثيراً للاستغراب أكثر ان يكون ذلك بالتفاهم مع الرئيس نبيه بري الذي، وكتلته «التنمية والتحرير» اقترعا بورقة بيضاء يوم انتخاب الرئيس في الحادي والثلاثين من تشرين أول الماضي وأعلن في اليومين الماضيين عن طي صفحة ما قبل انتخاب الرئيس واعتبارها من الماضي..
تغزو مصادر مقربة من «حزب الله» ذلك لجملة أسباب من بينها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- ان العماد عون بات رئيساً لجمهورية لبنان، وقد درجت العادة على ان يحظى الرئيس بحصة وازنة تليق ومكانته، على نحو ما جرى طوال الرئاسات السابقة.
2- وجوب فصل حصة كتلة التغيير والاصلاح و»التيار الحر»، عن حصة الرئيس، وهي كتلة وازنة وتضم 19 نائباً (من دون الجنرال).
3- ان عدم اعطاء كتلة «التيار الحر» الحصة الوازنة، يعني ان هناك من سيأخذها من دون مراعاة لحجم الكتل، وليس في الواجهة سوى كتلة «القوات اللبنانية» (8 نواب) وكتلة «الكتائب» (5 نواب)، وكلتا الكتلتين لا توازن كتلة «التيار»، وذلك على رغم ان الرئيس المكلف سعد الحريري، يشدد، كما آخرون على أهمية حضور النواب «المستقلين» وعددهم سبعة نواب، ناهيك بكتلة نواب «لبنان الحر الموحد» (فرنجية) وفيها ثلاثة نواب، ناهيك بالنواب المسيحيين الموزعين على سائر الكتل ذات الغالبية الاسلامية السنية – والشيعية والدرزية.
يتطلع الداعون الى تعزيز حضور رئيس الجمهورية و»التيار الحر» في الحكومة العتيدة، الى أبعد من مرحلة الجنرال عون (أطال الله بعمره)، وهم يرون ان ما بعد هذه المرحلة سيكون بالغ الدقة والاحراج، لاسيما وأن رئيس «القوات» سمير جعجع، الذي كان ترشح للانتخابات الرئاسية ولم يعبر، لايزال يضع في أولى أولوياته الانتخابات النيابية المقبلة ليظهر الى العالم أنه «الأقوى في المارونية السياسية».. ويحظى ببركة عديدين، والحضور الوازن في الحكومة الحالية شرط ضروري وملازم لهذا التطلع..
بالنسبة لـ»حزب الله» كما «أمل» فإن تاريخ العلاقة مع رئيس «تيار المردة» يختلف جذرياً عن تاريخ العلاقة مع «القوات» ورئيسها سمير جعجع، وهو «تاريخ حافل بالود والمحبة» وأنه «كان عنده فرصة ذهبية ان ينتخب رئيساً» بعدما تبنى الرئيس الحريري ترشيحه، ولم يعبر هو أيضاً، على رغم «التزام فرنجية بمقاطعة جلسات نيابية كان يفترض ان تنتخبه رئيساً..» على ما قال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، في طلته الأخيرة..
صحيح ان الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، لسنتين ونصف السنة، لم يكن بلا مردود، يرى فيه عديدون ايجابية لافتة، من أبرزها المصالحة بين «التيار الحر»، و»القوات اللبنانية» وتوقيع بيان معراب، وتبني جعجع ترشح العماد عون، الذي أثمر لاحقاً نجاح «القوات» في رفع العوائق بين «بيت الوسط» و»الرابية» وانطلاق مسيرة انجاز الاستحقاق التي أوصلت الجنرال الى القصر الجمهوري.. لكن وفي المقابل يتطلع عديدون، الى المستقبل، وهم يرون ان المسألة أكثر تعقيداً ومفتوحة على العديد من الاحتمالات، مع تمسك «القوات» بحصة وازنة في الوزارات السيادية وغير السيادية لاثبات وجودها على أنها الطرف المسيحي الوازن، بالزائد قليلاً او بالناقص قليلاً عن «التيار»، فلا يهم.. وجعجع، لا يتردد في اعلان نفسه شريك المناصفة الحقيقية مع عون و»التيار الحر».. و»إلاَّ»؟!
يتطلع سيد معراب الى السنّة السياسية، وهو يبارك هذه الأحادية.. ويتطلع الى «الثنائية الشيعية» ولا يجد غضاضة في ان يتبناها، أقله مرحلياً، بانتظار انجاز الانتخابات النيابية المقبلة، التي يراهن عليها، وهو لم يتردد في دعوة طلاب «القوات» الى «تحضير أنفسهم لينقلوا طاقاتهم وحماسهم الى الانتخابات النيابية المقبلة، لنتمكن من بناء دولة فاعلة..».
في أوساط «التيار الحر القيادية» يتم التداول بهذه السيناريوات، وهم يأخذون على عدد من قيادات «القوات» محاولات «الطعن في الظهر» ويرفضون مساواة «التيار» بأي اخر، سواء كانت المسألة مسألة نضالات تاريخية، أم مسألة حضور نيابي وشعبي أم غير ذلك.. لكن هؤلاء يتجنبون اثارة أي من هذه المسائل، والتسوية السياسية – الرئاسية لاتزال طرية العود، وان أراد البعض ان يسقطوا عليها ما لا يقدر من «تربيح الجميلة».
حتى اللحظة، يظهر الرئيس عون، انفتاحاً غير مسبوق، ويطل على الناس بلهجة هادئة ومضامين تحفظ مشروع «التيار» في بناء دولة قوية، تبنى على دستور يحترمه السياسيون جميعاً..، فلقد وصلنا الى السلطة ولدينا خطط تنموية، مع المحافظة على استقلالنا وسيادتنا وحريتنا، ولن نكون مرتهنين لأي بلد آخر..».
ليس من شك في ان الرئيس سعد الحريري الذي يشعر بالحاجة الوطنية للم الشمل ولانجاز تأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، وجد نفسه أمام معطيات بالغة الدقة.. وكلمته بعد التكليف شكلت خريطة عمل» او «بوصلة إلزامية» للتأليف الحكومي، وهو لن «يستثني أحداً» مادامت الامكانات متوافرة، على رغم اندفاعة العديد من الافرقاء للحصول على حصص وازنة في «الحقائب السيادية»، مع التسمية، الأمر الذي لم يلق تجاوباً يذكر، لا من الحريري ولا من الرئيس عون ولا من الرئيس بري.. خصوصاً وأن الاستشارات غير الملزمة لم تحمل أية مفاجآت تذكر بل على العكس من ذلك، فقد كانت امتداداً لما سبقها على مدى العقود السابقة.. وهو الذي «يتطلع للشروع في الاستشارات لتشكيل حكومة «الوفاق الوطني»، على نحو يتخطى الانقسامات السياسية القائمة، فكيف بتلك بين أبناء الطائفة الواحدة..؟!